خرج علينا نائب مطروح بكلام مرسل عن أهمية بول الإبل فى علاج الكبد الوبائى، وأكد أن له فوائد أخرى عديدة، ومنها تقوية الشعر، حيث تذهب سيدات مطروح، كما ذكر النائب المحترم، ليضعن رؤوسهن أسفل الناقة لغسيل شعرهن بالبول!! وقال فى لهجة تحدٍّ: «جوجل والنت مليانين كلام وأبحاث عن فوائد بول الإبل»، ويتناسى أن الإنترنت سوبر ماركت، كما فيه البضاعة الصحية الطازجة، تحتوى رفوفه على ما انتهت صلاحيته. طالب النائب الأطباء بإجراء التجارب والأبحاث على هذا البول، وتساءل: لماذا لا نبدأ نحن تطبيقاً للطب النبوى!! وأهمس فى أذن النائب لتصحيح الوصف، فهو الطب الذى مورس فى زمن النبى وليس الطب النبوى، باختصار: كل ما قيل مغالطات ليست ناتجة عن خلط وتشويش علمى عند النائب فقط، ولكنها للأسف موجودة فى أذهان معظم الشعب المصرى، والسبب ضعف الثقافة العلمية وضياع مفهوم العلم وعدم تحديده وضبابيته عند الناس وخلطه بالسحر والوقوع فى فخ التفكير بالتمنى وليس بما هو مقروء فى الواقع. فى البداية لا بد أن نعرف أن التجربة العلمية والفرضية تُبنى على ملاحظة واقعية وليس على حديث فى البخارى أو مسلم أو فقه «موطأ مالك» أو «الأم» للشافعى. ومع احترامنا لكل الجهد المبذول فى كل هذه الكتب الدينية وغيرها، إلا أنها ليست لتدوين ملاحظات علم تجريبى ولكنها لرسم تفاصيل روحية ودينية وسلوكية... إلخ، لذلك لا ينفع أن يأتينى شيخ ويقول لى: «ما تجرب يا أخى تدخل المعمل وتجيب ناس وتشرّبهم بول إبل وتشوف النتيجة وتقارنها مع الأدوية»، وعندما تسأله: ليه «أعمل كده»؟ فيجيبك: «لأنها موجودة فى حديث»!! العلم لا يسير هكذا، ولا طبقاً لتلك الآلية إطلاقاً، هو يؤمن بالملاحظة التى تولد منها فرضية نجرى على أساسها التجربة، ولا بد لتلك الملاحظة أن تكون وليدة الواقع وليست وليدة سطور كتاب يقدسه أتباع دين معين، لذلك لا يستطيع عالم أن يغامر بنشر بحث فى دورية علمية يقول فيه: قررت أن أجرب نتيجة عضة ثعبان الكوبرا على شخص أكل سبع تمرات وذلك لأنه مذكور فى كتاب الأحاديث عند المسلمين أن سبع تمرات تحمى المسلم من السم!! هذا ليس تجريباً علمياً فى نظر المجتمع العلمى لأنك لم تعتمد على ملاحظة فى مجتمع ما شاهدت فيه كباحث أن سكانه تعضهم الثعابين ولا يموتون نتيجة التهامهم للبلح، كما حدث مثلاً فى اكتشاف الأسبرين الذى لوحظ فى القبيلة التى تتناول لحاء شجر الصفصاف أن الألم يقل. إذن الفرضية أن لحاء شجر الصفصاف مسكّن للألم، وبالبحث تأكدت الفرضية واكتشفنا أن هذا اللحاء يحتوى على المركب الذى صار بعلم الصيدلة وبأبحاث شركة باير اسمه الأسبرين، إذن الأبحاث العلمية ليست وليدة ملاحظات مستمدة من كتب دينية، إنما هناك حياة وواقع وأرض نتابع ونستقصى فيها وعليها، أما السماء والجنة والنار فهذا ليس شأن العلم، ما وراء السماء وكيف نصل إلى جنتها بأعمال وطقوس هذا شأن الدين، لكن كيف نصل إلى السماء بصاروخ فهذا شأن العلم، لأنه يناقش محسوساً ونسبياً من الممكن تكذيبه ودحضه وتجربته وقياسه وإعادة التجريب عليه فى مكان وزمان مختلفين والخروج بنفس النتيجة، إذن من يعيد ويزيد فى سؤاله المزمن المراوغ: ليه ما بتعملوش أبحاث على بول الإبل؟ سنرد عليه: ولماذا لا تجرى تجارب إذن على فائدة نشارة الخشب فى علاج السرطان وأهمية جرعة الأسمنت فى شفاء التهابات القولون أو أكل فضلات وحيد القرن لعلاج الضعف الجنسى؟!!، وإن كان ردك: «إنت بتخرف يا خالد، وما هى العلاقة بين هذا وذاك؟!»، فسيكون ردى هو نفس ردك: وما العلاقة بين سموم البول وعلاج التهاب الكبد وتساقط الشعر؟!.