العالَم يحتفل بالعالِم اللى بجد، العالم والباحث الذى يستحق الاحتفاء بحق وحقيقى، العالم كما يعرفونه والذى ينتصر للحياة بأبحاثه واكتشافاته وليس العالم كما نعرفه الذى يدعو للموت فى فتاويه بينما هو غارق فى ملذات الحياة. مانشيتات الجرائد الأجنبية يوم 8 يناير والخبر الذى يتصدر نشرات الأخبار هو «ثلاثة أرباع قرن على ميلاد العبقرى ستيفن هوكنج». خسر طبيب الأعصاب رهانه مع القدر حين أخبر هوكنج أنه سيموت بعد سنتين، رحل طبيب الأعصاب ورحلت تقديراته وظل هوكنج يحمل عزيمته وإرادته وبهجته مواجهاً كل فخاخ الحياة مبتسماً، برغم الخرس يتقن كل لغات ولهجات الحياة والأمل، برغم الشلل تتحرك روحه متجاوزة كل السدود والحواجز محلقة خارج المجرة، تصفه الأوساط العلمية على مستوى العالم بأنه أذكى عالم فيزياء بعد أينشتين، ستيفن هوكنج الذى احتفل بعيد ميلاده الخامس والسبعين فى 8 يناير، لم يستطع إطفاء الشمع وغناء «هابى بيرث داى تو يو»، لأنه لا يستطيع تحريك شفتيه ويتنفس من خلال شق فى القصبة الهوائية، لن يستطيع أن يتحرك إلى حيث المائدة التى عليها التورتة إلا على كرسى متحرك فهو لا يحرك يديه ولا رجليه، من يريد أن يعرف معنى كلمة «أمل» لا بد أن يقرأ سيرة هذا العبقرى العظيم، من يريد أن يقهر اليأس ويعرف ما هى المعاناة بجد وكيف بالإرادة والتصميم والعزيمة تستطيع بناء صرح نجاحك والتغلب على هذه المعاناة لا بد له أن يقرأ كتاب «موجز تاريخ الزمن» لهذا الفيزيائى الذى جعل هذا العلم المعقد عند أطراف أصابعنا. أخبره الأطباء عام 1963 عندما اكتشفوا مرض التصلب العضلى الجانبى الذى يلتهم أعصابه ويشل عضلاته بالتدريج وكأنه فأر يقرض حبلاً مهترئاً أنه لن يعيش أكثر من بضعة أشهر وعلى أكثر تقدير متفائل سيعيش سنتين، ولكنه بعزيمة حب الحياة المنتجة الفعالة عاش أكثر من نصف قرن بعدها، وما زال يعيش وينتج ويضيف إلى العلم وهو على هذه الحالة من الشلل والضمور، ويكتشف ويحلم من على هذا الكرسى المتحرك الضيق الصامت، لم يعش سوى 5 فى المائة ممن أصيبوا بنفس مرض هوكنج لأكثر من عشرة أعوام، حصل هوكنج على 12 درجة فخرية ووسام الفروسية برتبة قائد، وفى 2009 مُنح وسام الحرية الرئاسى، وهو أعلى جائزة تُمنح لمدنى فى الولايات المتحدة، وقد بدأت أعراض المرض تظهر لدى هوكنج قبيل بلوغه الحادية والعشرين من عمره، وكانت بسيطة فى بادئ الأمر، ولكن تفاقمت حالته بعد ذلك، وقد كان تشخيص إصابته بالمرض صدمة مروعة، ولكنه أصبح حافز نجاحه فيما بعد، يقول هوكنج: «مع هالة الغموض التى اكتنفت مستقبلى، وجدت نفسى أستمتع بحياتى أكثر من ذى قبل. وكان ذلك شيئاً مفاجئاً لى»، ويضيف: «بدأت أحقق تقدماً فى أبحاثى، وارتبطت بفتاة تُدعى جين واليد بعدما قابلتها فى فترة تشخيص حالتى الصحية. وكان ذلك نقطة تحول فى حياتى، إذ منحتنى سبباً أحياً من أجله»، وحتى عام 1974 تمكن هوكنج وزوجته من التعامل مع مرضه دون الحاجة لمساعدة خارجية، وأنجب منها ثلاثة أطفال، وكان فى ذلك الوقت قادراً على تناول الطعام بنفسه، والذهاب إلى السرير والقيام منه بمفرده. ولكن كان صعباً عليه التحرك لمسافات كبيرة، ومع زيادة الصعوبات بدأت عضلاته تخذله، وقرر الزوجان أن يعيش معهما أحد الباحثين الذين يدرسون مع هوكنج، وكان الطلاب يُمنحون سكناً مجانياً ورسوماً شخصية مقابل مساعدة هوكنج داخل المنزل، وعلى مدار الأعوام القليلة التالية، كان واضحاً أن العائلة فى حاجة إلى مساعدة ممرضين متخصصين، وتبيّن أن هوكنج سيقضى ما تبقّى من حياته على مقعد متحرك، وفى عام 1985 أصيب هوكنج بالتهاب رئوى، مما ضاعف معاناته، وللتغلب على صعوبات التنفس أجريت له عملية جراحية ورُكبت له أنبوبة فى القصبة الهوائية، نجحت العملية، ولكنها أثرت على صوته، وأصبح يحتاج لرعاية على مدار الساعة من فريق متخصص، وظل هوكنج لبعض الوقت لا يمكنه التواصل مع أحد إلا عن طريق ذكر الكلمات حرفاً تلو الآخر من خلال رفع حاجبيه عندما يشير أحد إلى الحرف الصحيح على بطاقة توجد عليها حروف الهجاء. سمع وولت ولتوسز، خبير كمبيوتر فى كاليفورنيا، عن محنة هوكنج، فأرسل إليه برنامج كمبيوتر يطلق عليه «إكواليزر» Equalizer». وساعده البرنامج على اختيار الكلمات من قوائم تظهر على شاشة يتحكم فيها من خلال زر فى يده، قامت شركة إنتل للمعالجات والنظم الرقمية بتطوير نظام حاسوب خاص متصل بكرسيه يستطيع هوكنج به التحكم فى حركة كرسيه والتخاطب باستخدام صوت مولَّد إلكترونياً وإصدار الأوامر عن طريق حركة عينيه ورأسه وعن طريق حركة العينين يقوم بإخراج بيانات مخزنة مسبقاً فى الجهاز تمثل كلمات وأوامر، من خلال هذه الإشارات واللفتات ما زال هوكنج يبدع ويمنح العالم أملاً فى حياة أكثر بهجة وسعادة وتطوراً.