تواصلت مع الفنانة الراحلة الجميلة كريمة مختار تليفونياً عدة مرات، أطول المكالمات وأكثرها دفئاً كانت عندما اتصلت بى تشكرنى على مقالى الذى طالبت فيه بإطلاق اسم زوجها المخرج العظيم ملك الفيديو نور الدمرداش على استوديو 10 بماسبيرو، تحدثت معها وكأننى أعرفها شخصياً منذ فترة، مساحة الود وإشعاع الحب وبساطة التواصل وعمق الحنان لديها، كل هذا يهدم أى أسوار دفاعية أو موانع خجل وتردد، ويجعلك صوتها الحنون المرحب فى حضنها مباشرة، مجرد طفل واثق من تسامح أمه، كريمة مختار هى حالة أمومة مزمنة حتى وهى فى بداياتها الفنية، هناك فنانون يولدون أمهات وآباء، لم نكن نستغرب من عبدالوارث عسر ونظل نتذكر له دوراً شاباً مختلفاً حتى وهو فى العشرينات فلا نتذكر، كذلك كريمة مختار برغم أنها بدأت فى الإذاعة بأدوار رومانسية، ولكن لأنها خلقت لدور الأم وساعدتها ملامح الحنو والطيبة التى تكسو وجهها على ذلك، فقد كانت شاشة التليفزيون هى الباب السحرى الذى حصلت به ومنه على جواز سفر أم المصريين الفنى لا السياسى، أحفر فى ذاكرتى فأجد أول لقاء لى معها كمشاهد هو فى مسلسل «الجنة العذراء» الذى انجذبت إليه طفلاً كان يضبط ميعاد مذاكرة دروسه على هذا المسلسل الجذاب المثير، كانت مجموعة الشر فى المسلسل التى اغتصبت حقها وميراثها وميراث طفلها الصغير، نحمل لها من الكراهية بمقدار ما نحمل لتلك البطلة الصابرة التى يكسو ملامحها الشجن النبيل والابتسامة المنكسرة، ظللنا فترة نظن أن كريمة مختار تخصص حزن وميلودراما ودموع، لكننا استيقظنا على مفاجأة مباغتة وهى أن هذه الفنانة المعجونة بالشجن بداخلها طاقة كوميديا تكفى المجرة، وخفة دم من الممكن توزيعها على نجوم الفن جميعاً!!، بطلة مسرحية العيال كبرت فى وسط وحوش وغيلان الكوميديا الذين يحفظون خشبة المسرح مثل كفوف أيديهم، هى الوافدة الضيفة على المسرح استطاعت وبكل ثقة وبساطة أن تقف منافسة وسط سعيد صالح وحسن مصطفى ويونس شلبى وأحمد زكى!!، كانت مدهشة ومستعصية على التحليل والتفسير الذى كان يؤدى إلى نتيجة واحدة وهى أنها حتماً ستكون ضيفة شرف فى هذه المسرحية، لكنها كانت عموداً راسخاً من ضمن أعمدة هذا العمل المسرحى الخالد، تكرر نفس النجاح الذى أكد أنه ليس صدفة أو وليد الحظ، أكدت أنها ممثلة تجيد الضحك بنفس إجادة البكاء، أكدت ذلك فى فيلمى «يا رب ولد» و«الحفيد»، وغيرهما من الأفلام، برغم أن الأول كانت تقف فيه أمام ملك الترسو فريد شوقى والثانى أمام ملك الكوميديا الحديثة وأبو المدبوليزم عبدالمنعم مدبولى، كنت تحس أنها لا تفتعل التمثيل، كأنها دخلت من باب الاستوديو بدون ترتيبات أو حفظ تستكمل ما كانت تفعله فى منزلها، كان مشهد وفاتها فى مسلسل «عزو» هو الاستفتاء الأول على جماهيريتها بدون صناديق انتخاب، كانت صناديق الانتخاب وأماكن الاقتراع هى قلوبنا، قلوب كل المشاهدين فى مصر والعالم العربى، الكل أحس بالفقد كما نحس به الآن، لذلك كما نعزى الصديق معتز الدمرداش لا بد له هو أيضاً أن يعزينا.