وصلتنى من الكاتبة الجزائرية المتميزة هاجر حمادى رسالة طويلة سأعرض لكم مقتطفاً منها لضيق المساحة، وهى رسالة تثير علامات استفهام كثيرة، خاصة أنها من كاتبة تنتمى إلى بلد ذاق المر من غسيل الأدمغة الذى وصل بالبعض إلى الاقتناع بأن بقر بطون الحوامل فى قرى الجزائر «جهاد»!، تقول الرسالة: المسلمون يعتبرون الطعن فى رجال الدين هو طعن فى الدين وتطاول على المقدسات، مع أن هؤلاء الشيوخ بشر مثلنا مثلهم، ولسنا مطالبين أبداً بتقديسهم، لكنك تجد المسلم يستنفر ويتشنج لرؤيتك تنتقدهم لدرجة قتلك لو كان متطرفاً فى الدين، إنه يرى أحلامه تتحطم أمامه عندما يراك تنتقدهم خاصة إذا أحرجته بالحجة والبرهان، فيتحول شعوره بالإحباط من سقوط قداستهم إلى عدوانية تجاه من يستخدم عقله ويتحرر من أكاذيبهم، هذه العدوانية ليست نابعة من شر مطلق لدى المسلم، بل هو مجرد ضحية تعرضت لغسيل دماغ كبير، إذ تم تعطيل كل آليات المنطق والتفكير لعقله وخضع لمفاهيم أشخاص اعتبرهم فقهاء فى الدين، بعد أن أقنعوه بأن لحومهم مسمومة وأنهم ورثة الأنبياء، إذا أصابوا لهم أجران وإذا أخطأوا لهم أجر، حتى لو كان هذا الخطأ عبارة عن فتوى بقتل الناس أو تجهيلهم، وحين تعرض عليه هذه الفتاوى المدمرة واللامنطقية يصحو عقله قليلاً لدرجة أنه لا يصدقك فى بداية الأمر، لكونه يدافع عنهم دون قراءة ما كتبوا بالتفصيل، فيذهب للتأكد من كلامك، فيجده صحيحاً ويشعر بالصدمة والارتباك والحيرة، وهنا المرحلة الصعبة، منهم من يستفيق ويتغلب صوت عقله على عاطفته وجهله، ومنهم من يستمر فى الدفاع عن هؤلاء الشيوخ ويحاول محاربة صوت العقل الذى يناديه من الداخل، ويتحجج بأنه يأخذ منهم ما ينفعه فقط مع أنهم أفتوا بقتل الناس، وهذا إرهاب وليس اختلافاً فى وجهة النظر، فقط لأنه لا يريد العودة من جديد وتصحيح مفاهيمه الخاطئة، فذلك يتطلب قوة وعملاً وإرادة لا تتحلى بها أغلب شعوبنا، لهذا يمكن اعتبار هذه المرحلة التى نعيشها الآن شبيهة جداً بمرحلة توزيع صكوك الغفران فى الكنيسة إبان العصور الوسطى، لكن الفرق يكمن فى أن بعض القساوسة انشقوا عنها لكونهم فلاسفة ومفكرين، لكن نحن ليس لدينا أئمة حالياً بهذا المستوى الفكرى وبهذه الشجاعة فى الإصلاح الدينى كتلك التى قام بها باروخ سبينوزا وتوما الإكوينى، ما عدا بعض المحاولات من الدكتور عدنان إبراهيم وشحرور وإسلام البحيرى لكنها تُواجَه بالرفض عند الأغلبية، بينما ظهر عندنا مفكرون قديماً بهذا الفكر والشجاعة من أمثال ابن سينا وابن رشد والفارابى، لكنهم انهزموا أمام دعاة الظلام الدينى، وكذلك هناك فرق بين المرحلتين فى القاعدة الفكرية والحضارية والفنية والعلمية التى كانت للشعوب الأوروبية آنذاك، وهى غير متوفرة عندنا حالياً لمساعدتنا على القضاء على هذا الطاعون الدينى، أما الفرق الأهم والأخطر بين المرحلتين فيكمن فى كثرة حراس المعبد والفقهاء وشيوخ الإرهاب فى الموروث الإسلامى أكثر من أى دين آخر، وهذه الاستماتة فى الدفاع عن الأئمة والموروث الدينى ومنع الاقتراب منه ستقود شعوبنا إلى مرحلة الإلحاد مباشرة، لأن الكثيرين استفاق عقلهم ولم يعد يتماشى مع الموروث الدينى، وإجبارهم على تقديسه بنفس درجة تقديس القرآن، وعلى عدم فصله عن المقدس الأول ستدفع بهم إلى الخروج من الدين مباشرة، وهذا ما تعرض له القرآنيون مثلاً بسبب احتكامهم للقرآن مباشرة دون غيره، ووصل بشعوبنا الهوس الدينى إلى اتهامهم بالإلحاد رغم اعتمادهم على المقدس الأول وهو القرآن، ولن تسمع عند جميع الثقافات والديانات أن لديهم كتباً مقدسة أخرى غير كتابهم الأول، وأنها تُكفر من يعتمد على الكتاب الأول دون غيره وتخرجه من ملتها، ما عدا المسلمين، ببساطة لأن أغلب ما وصلنا من ممارسات وطقوس دينية هى صنيعة البشر، وشريعة «البخارى» والأئمة الأربعة و«ابن تيمية» و«بن عبدالوهاب» وغيرهم، وأصبحنا فى كارثة حقيقية الآن وورطة كبيرة وهى كيفية إقناع الشعوب بهذه الحقائق.