خرج علينا الأزهر، أمس الأول، ببيان وفتوى وكأنها هدية السماء للحيارى: اقتناء الكلب لغرض غير الصيد وحراسة الماشية حرام ولا يجوز!! يعنى: من يقتنى الكلب لأنه حيوان وفىّ أليف يبث السعادة فى البيت هو رجل يرتكب جريمة ومنكراً دينياً؟؟! الوحيد الذى يكسر وحدته مع صديق جميل مثل الكلب لمجرد الألفة والتواصل ولأنه يبتهج مع كائن يحبه ويطيعه ويبتهج عندما يدخل هذا البيت الموحش، تلك الأحاسيس الرقيقة يحرمها ويجرمها الأزهر، تساءلت: لماذا نكره الكلاب بهذه الصورة فى الوقت الذى يحتفى بها الغرب؟ تذكرت خبراً قرأته منذ نحو عام، الخبر يتحدث عن بناء نصب تذكارى للكلاب فى الولايات المتحدة، وذلك فى قاعدة «لاكلاند» الجوية فى سان أنطونيو بولاية تكساس، تقديراً منه لتضحيات أفضل صديق للجنود، يبلغ ارتفاع النصب المصنوع من البرونز تسعة أقدام، ويضم مدرباً وأربع سلالات رئيسية للكلاب تُستخدم منذ الحرب العالمية الثانية، وهى: الدوبرمان، والراعى الألمانى، ولابرادور المسترد، والمالينوا البلجيكى، وقال مدرب الكلاب جون بيكر من فالون بولاية نيفادا: «هذه الكلاب لا تقل وطنية عن أى شخص آخر خدم فى الجيش»، وقال «بورنام» الذى ألف كتابين عن الكلاب المقاتلة: «كانوا أبطالاً وتُركوا للموت». لماذا نكره الكلاب؟ فى البلاد الغربية يمثل الكلب حيواناً محبوباً أليفاً يجلس على قمة الأمانة والإخلاص والوفاء، ويتعاملون معه هناك على أنه ملك متوج وواحد من أفراد الأسرة، أما نحن فنتعامل معه على أنه نجاسة مركبة تحتاج إلى أن نتطهر منها سبع مرات، إحداها بالتراب، وأن بيوتنا لن تدخلها الملائكة إذا كان فيها كلب!! يعنى باختصار هو حيوان ملعون ملعون يا ولدى، وما لوش حل، حتى عندما نشتم ونسب نقول للآخر العدو: «انت ابن ستين كلب»، علامة على شدة احتقارنا لهذا الشخص، أما «انت ابن ستين قطة» مثلاً فلا تُعد سباً ولا قذفاً، والمدهش أن القطة فى التراث الفقهى ليست ملعونة هذه اللعنة الكلابية، فنقرأ فى كتب الفقه: «إن الهر طاهر»، ففى الموطأ والمسند والسنن أن أبا قتادة دخل على كبشة بنت كعب بن مالك، وهى زوجة ابنه، فسكبت له وضوءاً، فجاءت هرة لتشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت. قالت «كبشة»: فرآنى أنظر إليه. فقال: أتعجبين يا ابنة أخى؟ فقالت: نعم. فقال: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إنها ليست بنجس، إنما هى من الطوافين أو الطوافات»، يعنى القطة نجاستها مقتصرة على بولها فى بعض الآراء، الفقه المعادى للكلب يعتمد على الأحاديث التى تؤكد نجاسته مثل: «إذا شرب الكلب فى إناء أحدكم فليغسله سبع مرات»، وهو أشهرها وأكثرها تكراراً، «الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة»، «من يقتنِ كلباً ينتقص من أجره كل يوم قيراطاً».. إلخ. وكنت قد قرأت مقالاً قديماً للدكتور أحمد صبحى منصور يفسر فيه سر هذا العداء الفقهى للكلب، رغم أنه يذكر تكريم القرآن لهذا الحيوان المظلوم. يقول صبحى منصور: «لو كان الكلب حيواناً نجساً ما صحبه أهل الكهف معهم، وهم يتسللون لواذاً من قريتهم الظالم أهلها، أهل الكهف شباب أطهار وصفهم الله تعالى بأنهم فتية آمنوا بربهم وزادهم الله تعالى هدى، فكيف لمن كان فى منزلتهم فى التقوى والإيمان أن يصحبوا معهم كلباً إذا كان الكلب نجساً يتأفف المؤمن من الاقتراب منه كما نفعل نحن الآن؟». ويقول أيضاً: لقد أباح الله تعالى لنا أن نأكل مما تصطاده لنا كلاب الصيد، فإذا ماتت الفريسة بين أنيابها فلا حاجة لذبحها، بل نطهوها مباشرة، لأن أسنان الكلب طاهرة مثل السكين الذى نذبح به، وإذا كان رب العزة قد جعل هذا تشريعاً فى كتابه الحكيم (المائدة: 4)، فلماذا يكون الكلب نجساً نجاسة مغلظة، وهو الذى نأكل مباشرة مما يصطاده لنا بأسنانه؟، هل لن يدافع أحد عن هذا الحيوان المظلوم المضطهد فى تراثنا دون سبب أو جريمة ارتكبها هذا المسكين المخلص؟، فى النهاية سأحب الكلب وأطالب باقتنائه والتوسع فى تربيته لغرض أن تكون سعيداً فقط لا لصيد أو خلافه، سأحبه رغماً عن أنف كارهى الحياة وعبّاد التحنيط وعاشقى الظلام.