نحن مجتمع يتحدث سراً فى الجنس 24 ساعة وعندما يظهر الحديث عنه إلى العلن نتحول جميعاً وفجأة إلى قديسين ونتقمص دور رابعة العدوية!!، الجنس عندنا فى مصر وبلاد العرب سلوك سيئ السمعة، حتى ولو تم دون ضجيج وفى داخل زنزانات مغلقة، وبين بشر يحترمون خصوصيته ويمارسونه فى الإطار الشرعى، ولذلك فالكتابة عنه طيش غير مبرر وخروج على المألوف وقفز فوق أسوار العادات والتقاليد والأعراف، وقلة أدب ونقص حياء وبجاحة، حتى ولو كانت تلك الكتابة بأسلوب علمى وبرغبة حقيقية فى المعرفة لا الإثارة والتهييج، وحتى لو كان المتصدى لها متخصصاً فى علوم الجنس أو ما يطلق عليه السكسولوجى، فأنت طالما كتبت فى الجنس فأنت مدان مدان يا ولدى!، وحسناً فعل رئيس تحرير «الهلال» الصحفى المجتهد المحب لدور «الهلال» الثقافى التنويرى، الأستاذ خالد ناجح، بأن أصدر عدداً خاصاً عن الجنس حتى يرسل رسالة إلى مجتمعنا المصاب بازدواجية مقيتة حائر فيها بين الوجه والقناع والظاهر والباطن، رسالة ملخصها أنه من الممكن أن نناقش الجنس بطريقة علمية وبكل جدية، وأيضاً لإثبات أن الجنس عالم ثرى وغنى من الرؤى والأفكار خارج سياق النكت القبيحة والفهم الميكانيكى الضيق والتحرشات السافلة والفهم الضيق لتلك العلاقة السامية الراقية، وتحويلها إلى مجرد دقائق ما بين مغتصب وفريسة على حلبة مصارعة اسمها فراش!!، هذا العدد الخاص من مجلة الهلال عن الجنس وثيقة مهمة يجب أن توضع فى كل مكتبة، فهى عن أهم نشاط بشرى وألوان طيفه المتعددة فى العلم والأدب والسينما وعلم النفس والاجتماع، وتلخيصه صعب ولا غنى عن قراءته واقتنائه، لكن ما أسعدنى شخصياً أن الروائيين الكبيرين نجيب محفوظ ويوسف السباعى قد نشرا مقالين منذ أقل من نصف قرن يؤيدان وجهة نظرى التى هوجمت بسببها كثيراً وهى ضرورة تدريس الجنس فى المدارس، كتبا فيها من قبل أن أكتب بربع قرن، ورسخا لهذا المفهوم المهم، وقد أعاد الصحفى خالد ناجح نشر المقالتين فى هذا العدد الكنز، العدد به مقالات مهمة عن الجنس والأديان، عن الجنس فى الفن التشكيلى والمتاحف، عن التراث والجنس، الكتابات النسائية فى الجنس، مصر القديمة كيف تعاملت معه، السينما، الأغانى الإباحية، أزمة الجنس فى القصة.. إلخ، موضوعات متعددة وزوايا رؤية مختلفة حول موضوع الخوض فيه فى مجتمعنا العربى هو خوض فى حقل ألغام. أشكر كل من شارك فى هذا العدد المهم، فالكل يغسل يديه من هذه المهمة المريبة المحاطة بشبهة القذارة والنجاسة ويتركونها للمرتزقة من كتاب الإثارة والكتب الصفراء التى تعرض بضاعة الجنس البورنو، ولا تتحدث عن الجنس كسلوك إنسانى وأداة تواصل اجتماعى ولغة حوار ومساحة تعبير ومخزون حب، ونشاط بيولوجى وفسيولوجى، وعالم كامل من الأسرار لا بد من مناقشته بمنطق العلم لا بمنطق البيزنس، وبمفردات معامل كليات الطب وأقسام علم النفس والاجتماع لا بمفردات بيوت الدعارة وبائعات الهوى وتجار الليالى الحمراء.