التكفير كرة نار معلقة فى ذيل ضبع يركض فى حقول قمحنا، لن يترك عوداً أو سنبلة إلا وأحرقها، وكلما ألقينا ببنزين التكفير احترقت غيطان أخرى كنا ننتظر أن نحصد منها الخير، السماح بتداول كلمة الكفر والكافر واتهام بعضنا البعض بها هو مقامرة الموت، هو انتحار جماعى للوطن، اشطبوا كلمة الكافر من القاموس، الغوها من المعجم، أن نتلقى بالفرح كلمة داعية شهير راحل كفّر المسيحى وتبعه تلامذة ومريدون، بل واحتفى بهم إعلاميون، هذه كارثة، فمن فرح أو حتى لم يمتعض لم يعرف بعد أن الدور عليه، وأن رقمه فى الطابور ينتظر النداء بعد قليل، من صفّق لقتل الشيعى وسحله بدم بارد، ومن شكل لجاناً لمحاربة الشيعى ووصفه بأنه أخطر من الصهاينة وكفّره واستباح دمه، كان يرسم مقدمة ما حدث فى مسجد الروضة، من كفّر البهائى وأقصاه وحذف هويته من البطاقة وطارده فى البيوت وطرده من الوظائف، كان يعد الكفن لضحايا بئر العبد، من رقص يوم سجن مفكر انتقد البخارى ووصفه بالكافر لمجرد انتقاده لنصوص بشرية، كان يجهز الكلاشينكوف والآر بى جى لمجرمى الخسة والنذالة قاتلى الـ305 شهداء، تم تعبيد الطريق أمام تكفير الصوفى المحب العاشق لربه المتبتّل فى عبادته، كفّره وقتله الفاشى الذى يعتبر أن الإيمان يحتاج إلى تشكيل عصابة وأن الرب يحمى أمثاله من البلطجية ويحتاج إلى ساديتهم!!، التكفير يظل يختزل الأنصار ويحصر المؤمنين فى قبيلة أو تنظيم أو جماعة، ثم ينشق عدد ثم عدد آخر حتى يكفر المكفراتى شقيقه، ويظل وحيداً مقتنعاً بأنه الحق محتكر الحقيقة، من ليس على الكتالوج يستحق القتل، ها هو الباترون الذى صممته، من ليس على مقاسه سأقتله، هكذا يقول الإرهابى، يريدنا جميعاً غرباناً بنفس درجة اللون، خرفاناً بنفس القرون، قطيعاً بنفس الانسحاق، اشطبوا تلك الكلمة البغيضة من القواميس والمعاجم والكتب والألسنة والأدمغة، مختلف معك نعم سنتحاور، أما كافر فلن يحدث حوار، لأن من يكفّرنى يعتبر نفسه متحدثاً باسم الله، هو صادر على حوارى معه منذ البداية، إنه يُلقننى ولا يتحاور معى، يهدينى لأنه الأكثر إيماناً وقرباً من الرب ولا يتبادل أفكاراً، حواره هو مجرد التقاط أنفاس حتى تحين فرصة القتل، لذلك التكفير هو الرصاصة الحقيقية القاتلة التى انطلقت فى قلوب ضحايا مسجد الروضة، إنها لا تحتاج إلى دكّ الطائرات، بل إلى دكّ أفكار التكفير.