فى حوارى مع د. سعد الدين هلالى طرح عدة نقاط مهمة حرّكت المياه الراكدة، وهو بالفعل ما نحتاجه تحقيقاً لنداء الرئيس بتجديد الخطاب الدينى الذى هو خطوة لتجديد الفكر الدينى وتحقيق حلم الدولة المدنية الحديثة، عندما سألته عن مادة الدستور التى تقول إن دين الدولة هو الإسلام قال إن الدولة كيان لا دين له، وإن هذه الجملة أكذوبة لأن الدين فردى إنسانى وليس لوصف الدولة والحكومة، وأكد أيضاً أننا دولة قانون لا فتاوى، وأن القانون هو تاج الفتاوى وهو الذى يجب اتباعه، وأن الشريعة هى القانون الذى توافقنا عليه كمجتمع من خلال نوّابنا الذين نختارهم بآلية الديمقراطية. وعندما سألته عن الحدود أجابنى بحد السرقة كمثال وكيف أن رجال الدين يخفون عنا جزءاً من الآية وهو الذى يُسقط عقوبة قطع اليد بالتوبة لكى تظل مساحة سيطرتهم على عقولنا محتلة ومضمونة، وقد حدثت ردود فعل متعددة على هذا الحوار ما بين مؤيد ومعارض، ومن ضمن تلك الردود سؤال وصلنى يقول: كيف يسقط قطع اليد بالتوبة والرسول قطع يد المخزومية؟! وكان رد د. سعد على هذا السؤال هو: لم يثبت أن النبى قطع يد المخزومية، ولكن الثابت أن النبى رفض شفاعة أسامة بن زيد للعفو عن المخزومية التى سرقت، ثم لو حدث كما حدث مع العرنيين فقد كانت شريعة مطبقة فى الجاهلية عملاً بما فى التوراة كالرجم، فلما نزل القرآن رفع عنا الإصر والحرج بدرء الحدود بالشبهات والتوبة، والنهى عن المثلة وهى التعذيب والصلب. وأخيراً فإن القرآن هدى ونور وليس دستوراً أو قانوناً.. فصحَّ تأويل القرآن بما يناسب العصر، أو التوقف عن تنفيذ ظاهر نصوصه التى تتصادم مع حضارة العصر، كما توقف عمر عن حد السرقة فى عام الرمادة، وتوقف عن تقسيم أرض العراق غنيمة وأغضب بذلك العباس، عم النبى، الذى كان أحد المستحقين لتلك الغنيمة الثابتة فى ظاهر آية الغنيمة فى سورة الأنفال، كما توقف عن تنفيذ متعة النكاح الثابتة فى ظاهر آية سورة النساء (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).. وغير ذلك مما توقف عنه عمر. ونحن كذلك توقفنا فى عصرنا عن بعض الآيات، منها ما يتعلق بالرق وملك اليمين وشهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل وفرض الجزية على غير المسلمين ومنعهم من تولى القضاء.. وغير ذلك. وما كان لنا ذلك إلا أن يكون القرآن هدياً وليس قانوناً.. لأن القانون ليس حمّال أوجه وإنما له دلالة واحدة فى كل مادة من مواده.. لذلك خضع القانون لقاعدة «لا اجتهاد مع النص» ولا يجوز إخضاع القرآن لتلك القاعدة وإنما تُتبع معه قاعدة «لعلكم تعقلون.. لعلهم يتفكرون.. لعلهم يفقهون.. فاعتبروا يا أولى الأبصار».