تجديد الخطاب الدينى لن يحدث من خلال رجال الدين فقط، بل أكاد أجزم أن دورهم هو أقل الأدوار، لأنهم محبوسون فى قمقم المنظومة، ولا يستطيعون النظر أبعد من جدرانها الأسمنتية المصمتة وأسوارها الفولاذية المحكمة. من هنا تأتى أهمية كتاب مثل كتاب «صوت الإمام» الصادر مؤخراً عن دار العين، الكتاب تأليف عالم الاجتماع الكبير وعميد كلية الآداب السابق د. أحمد زايد، يُحلل ويشرح، بمشرط العالم الخبير وبعدسة المثقف الواعى، حالة الخطاب الدينى الإسلامى الحالى، الكتاب يناقش سياق هذا الخطاب وكيفية تلقّيه، كيف حوّله رجال الدين إلى شفرة غامضة لا يفكها إلا الكهنوت، يفرّق المؤلف بين الدين كمصدر قيم وطاقة روحية وإضفاء معنى على العالم، وبين التديّن كمنتج بشرى يخضع للتغيّر والمصلحة. فى فصل مهم جداً فى الكتاب، يُحلل هذا الخطاب الدينى من خلال خطب المنابر وغيرها من وسائل التواصل، ويجيب عن سؤال مهم: هل تم دمج الدين فى بث قيم التنمية، أم أن هذا الخطاب يُمجّد الماضى ويبث قيم التواكل والسلبية؟ للأسف كانت نتيجة الدراسة محبطة وصادمة، غابت كل قيم الجهد والعمل وصناعة المستقبل عن هذا الخطاب. المهم فى هذا الكتاب أنه لم يغرق أو يكتف بالتحليل الأكاديمى، وإنما قدّم خريطة طريق للحل، أتمنى أن تكون على مكتب الرئيس اليوم قبل الغد، فلا يمكن أن نُجدّد فكرنا الدينى بمدّ اليد لطلب الحسنة من المؤسسة الدينية، لكن من خلال علماء مثل د. زايد من خارج تلك المؤسسة سيتحقق التغيير. يطرح مؤلف كتاب «صوت الإمام» الأسس العامة لتجديد الخطاب الدينى من خلال 3 مستويات، أولاً: تقديم التاريخ الإسلامى كتاريخ واقعى، وليس كتاريخ مصنوع، نصنعه على هوانا، فنذكر ما نريد ونسكت عما لا نريد، ثانياً: نقد نصوص الخطاب الدينى التفسيرى وتوضيح تحيّزاتها وارتباطاتها السياسية والاجتماعية، وميلها الأصولى المتطرف، ونموها فى اتجاه معاكس لمتطلبات الحاضر والمستقبل، ثالثاً: إعادة فهم دور الدين فى الحياة، ومعنى الإيمان، والتأكيد على مدنية الدولة وانفصال الدين عن السياسة، والتأكيد على أن الدين أمر يتعلق بالمجال الخاص، ولا بد ألا يكون هذا الدين اختزالياً استبعادياً، والعمل بجدية على تعريف إجرائى للإيمان، بعيداً عن الشكليات. كتاب «صوت الإمام» يحتاج إلى مناقشة مجتمعية، فهو ليس من نوعية الكتب التى نتسلى بتصفّحها قتلاً للملل، ثم نضعها على الرف، فهو صوت من مجموعة أصوات أساتذة علم اجتماع ونفس وفلسفة، لا نريد تركهم يصرخون فى البرية ونفقد أصواتهم مثلما فقدنا من قبلهم صوت نصر أبوزيد وفرج فودة وغيرهما ممن قضوا حياتهم يصرخون صرخة «زرقاء اليمامة» محذرين من هذا المصير المؤلم، لكننا للأسف مجتمع يعبد مزيّفى وعيه ويجلد موقظيه ويغتالهم فى وضح النهار.