ما زلنا فى احتفالية معرض الكتاب والتحريض على القراءة، تلك الفريضة المصرية الغائبة. كتاب اليوم هو كتاب مهم يحتاج دراسة طويلة وهو «الحداثة والقرآن» للكاتب المغربى وأستاذ الفلسفة سعيد ناشيد، كتاب أسلوبه رشيق، وأسلوبه صادم، وأفكاره تحرث أرض الفكر الساكن وتحرك بحيرته الراكدة، سأختار لضيق المساحة نهاية الكتاب التى لخّص فيها الكاتب معنى النفاق الدينى فى عبارات قوية، يقول «ناشيد»: ليس هناك نفاق أسوأ ولا أدنى من أن تطالب بتطبيق الشريعة فى بلدك ثم تهاجر للعيش فى بلد علمانى! ليس هناك من نفاق أوقح ولا أقبح من أن تطالب بزيادة مواد الإسلام فى المنهاج الدراسى ثم تسجل أبناءك فى إحدى مدارس البعثة الفرنسية أو الأمريكية! ليس هناك نفاق أسخف ولا أقرف من أن تطلب من «بائعة الهوى» أن تقول لك: زوّجتك نفسى على سنة الله ورسوله وفى الصباح تمنحها بعض المال وتقول لها أنت طالق! ليس هناك من نفاق أبشع ولا أشنع من أن تدخل المسجد لتدعو على الكفار بالويل والثبور وعظائم الأمور ثم تخرج منه لتطلب المعونات من الكنيسة! ليس هناك من نفاق أصغر ولا أحقر من أن تشتم أمريكا وتحرق العلم الأمريكى فى كل مناسبة أو دون مناسبة ثم تقف فى طابور سفارتها أو قنصليتها لأجل الحصول على التأشيرة! النفاق هو أن تبتهج بوجود مساجد كبرى وفاخرة فى قلب نيويورك ولندن وباريس، ثم تبتهج بمشهد شاب غربى يردد الشهادتين ولو بصعوبة خلف شيخ فى مسجد بإحدى عواصم الغرب، لكنك فى الأول وفى الأخير تعتبر ذلك انتصاراً لقيم الحرية وحقوق الإنسان والحريات الدينية والفردية داخل الحضارة الغربية.. بل تقيم الدنيا إذا علمت أن قساً قام بتعميد مسلم واحد ولو داخل الفاتيكان، وتظن ذلك مؤامرة ضد الإسلام والمسلمين! النفاق هو أن لا تكترث لفساد الرشوة، ولفساد جهاز القضاء، ولفساد التهرب الضريبى، والفساد تبييض الأموال، ولفساد الغش فى السلع، ولفساد مافيات المخدرات والميليشيات الجهادية وتهريب الأسلحة، ثم ترى الفساد -كل الفساد- فى مجرد تنورة (بلوزة) أو سروال قصير أو قبلة فى لوحة إعلان!! الفساد هو أن تعلم علم اليقين وبالأرقام بأن المجتمعات الأكثر تديناً فى العالم هى أيضاً الأكثر فساداً فى الإدارة، والأكثر ارتشاء فى القضاء، والأكثر كذباً فى السياسة، والأكثر هدراً للحقوق، والأكثر تحرشاً بالنساء، والأكثر اعتداء على الأطفال، ثم تقول للناس: إن سبب فساد الأخلاق هو نقص الدين! فيا للوقاحة! النفاق هو أن تشتعل الفتنة الطائفية فى العراق وسوريا وباكستان، وتوقظ الحرب القبلية فى ليبيا واليمن والسودان، ثم تقول إنك تقاتل من أجل وحدة المسلمين! فيا للمصيبة. النفاق هو أن تعتبر كل نساء الأرض ناقصات عقل ودين، وعورات، وحبائل الشيطان، وحطب جهنم، إلا أمك فإن الجنة تحت أقدامها! النفاق هو الجحيم. ولهذا قال ربنا سبحانه وتعالى «إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار».