جائزة محمد صلاح هى جائزة للجهد والإصرار والعزيمة والتصميم واحترام أن الرياضة صارت علماً وليست دعوات، والتدريب صار خطة لا فهلوة، والاحتراف أصبح نظاماً صارماً وليس سبوبة سماسرة، الجائزة تلخص رحلة شعارها «كن ضد اليأس والإحباط حتماً ستنجح». هل نجح محمد صلاح لأنه اجتهد أم لأنه سجد؟، سؤال أثارته تعليقات الملايين ممن يحشرون الدين فى كل شىء، البعض أرجع الجائزة إلى أن محمد صلاح يسجد بعد كل هدف، ويصر إعلاميون على التأكيد بأنه اللاعب المسلم رقم كذا الذى حصل عليها، يرجعون فوزه لأنه الملتزم أبومكة.. إلخ، والسؤال الأهم: هل لو ظل «صلاح» فى مصر وسجد العمر كله فى ظل هذا الاحتراف المصرى الهمايونى والتدريب الكلشنكانى والطب الرياضى الذى بعافية ومدربى الساحات الشعبية للياقة البدنية المعتمدين على اتكل على الله وهى حتنقضى وحنكسب بدعوات الوالدين، هل كان سيصبح محمد صلاح الذى شاهدته أمس؟!، هو صار محمد صلاح لأنه دخل السيستم الصح الذى لا يترك شيئاً للفهلوة والأمنيات والتواكلات والبركات والمعجزات وذبح العجل وزيارة ضروح الأولياء، إقحام الدين والحديث بلغة عنصرية فى الرياضة ومحاولة تضميد جراح الدونية بشاش النعرة الدينية وإضفاء هوية اللاعب العقائدية فى كل حديث لدرجة أن مذيعاً قد نصّبه سفيراً للإسلام وكأنه فى غزوة وليس فى لعبة أو مباراة، هذا الإقحام تخلف حضارى وتأكيد على أننا مجتمع لم ينضج بعد، مجتمع ما زال فى مرحلة المراهقة الدينية والتلسين القبلى وصراع الديوك المذهبى. الجائزة لمحمد صلاح ونحن جميعاً كمصريين فرحون بها، ولكن الجائزة أيضاً للمجتمع المدنى العلمانى الذى منحها للاعب مصرى أسمر مسلم دون أن ينظر إلى ديانته أو لونه أو عرقه أو جنسيته، مجتمع المواطنة الذى يحاسب ويكافئ على قدر الجهد والموهبة والعرق والمثابرة، الفرحة ستكون مضاعفة لو عرفت أن الطفل مينا، الذى طرده أحد مدربى حراس المرمى الملتحين، قد تم تتويجه كأفضل لاعب مصرى بعد أن نكون قد أصبحنا وطناً يضم جرجس وميخائيل ولوقا المصريين إلى المنتخب دون حساسيات، ولا يمتعض الجمهور أو المدرب من لاعب شيعى أو بهائى أو يهودى يحاسب على اختياره الحر وعلاقته الشخصية بربه بعقابه وحرمانه وتجريسه. جائزة محمد صلاح تشير إلى فساد وترهل نظامنا التعليمى، كيف مر محمد صلاح بمراحل التعليم المصرية دون أن ينتبه مدرس واحد إلى أن هذا الطفل نبيه وذكى، لا أقول لاعب كرة جيداً، لكنه انتباه مجرد انتباه إلى نباهته التى ظهرت بعد ذلك فى سرعة التقاطه للغات واندماجه فى المجتمعات الغربية التى سافر إليها بسرعة واستجابته المدهشة لتعليمات مدربيه، كل هذا يعبر عن مرونة نفسية ولياقة سيكولوجية اجتماعية لم ينتبه إليها أحد فى حينها وتركت للصدفة لكى يكتشفها الآخرون. جائزة محمد صلاح فضحت الصربعة الإعلامية المخجلة، فقبل إعلان الجائزة بساعتين تناقل الإعلاميون أو 99% منهم خبر حصوله على الجائزة اعتماداً على صورة يحمل فيها الكأس وهى صورة كانت قبل الحفل وتكررت مع كل المرشحين، بلغ الاقتناع حد تكذيب قناة «أون سبورت» والحديث عن عملية نصب قامت بها على الجمهور فى إذاعة حفل بايت!، وبدأت حمى العنعنة وهستيريا الصربعة والتسرع والهطل واللكلكة، لا أحد يتقصى الأخبار ولا يجهد ذهنه لتقصى المصدر، لم يفكر أحد إلا ما تيسر من الإعلاميين فى الدخول على موقع ليفربول مثلاً للتأكد، ولكنه مرض التفكير بالتمنى والاستسهال الذى يؤدى إلى إسهال السبق وحمى اللايكات وشهوة البريمو!، عورة عقلية كشفتها الجائزة عبرت عنها بوستات الـ«فيس بوك» وتغريدات «تويتر» التى شيرها المصريون لكافة أنحاء الدنيا، ما يجعلك لا تثق فى إعلامك ولا فى نخبتك ولا فى مرجعياتك السياسية أو الثقافية، الكسل والفهلوة واعتبار أن الكذب شىء عادى وأليف صارت أمراضاً مصرية مزمنة علينا أن نعالجها لنستحق أن نصبح على خريطة العالم المتحضر مثلما أصبح محمد صلاح على خريطة الرياضة العالمية.