كنت أظن أن قرية كفر الشيخ التى اتهمت الجن بتدبير الحرائق هى آخر القرى التى اعتنقت تلك الأساطير وتعلقت بتلك الأوهام، ولكن ظنى كان فى غير محله واتضح أننى أنا الواهم المخدوع، فقد ظهر الجن الحارق فى قرية أخرى بعيدة عن كفر الشيخ، هجر الدلتا والوجه البحرى ليظهر فى الوجه القبلى والصعيد، وأعتقد أنه نفس الجن لأن الحرائق قد توقفت فى كفر الشيخ مما يدل على أنه نفس الجن المكلف بتلك المهمة المقدسة، وأنهم فى عالم العفاريت يعانون من ندرة فى التعيينات لذلك يلف موظفو الجن كعب داير جمهورية مصر العربية، والمدهش والغريب والعجيب أنهم لا يتعدون الحدود المصرية والعربية ليتلبسوا أجساد الأوروبيين والأمريكان! أعتقد أن السبب هو أن استخراج الفيزا صار عملية صعبة معقدة والجن «مش ملحلح» فى علاقاته مع السفارات ووزارة الخارجية. نبهنى ولفت نظرى التقرير المهم الذى نشرته مجلة المصور فى عددها الأخير حول العفاريت التى تطارد قرية هتيم الشمرات فى قنا، المشكلة أن كل أهل القرية الفقيرة المهمشة بلا استثناء يتهمون الجن بإشعال الحرائق، برغم أنهم جميعاً يتحدثون عن تخزين القش وروث البهائم فى درجات الحرارة المرتفعة، ولكنهم لا يحاولون ربط تلك الحرائق بتلك العادات، والبحث عن دور طريقة التخزين أو غاز الميثان مثلاً أو ما شابه، عدم معرفة السبب لا يعنى أن نغيب عقولنا ونعلق التهمة فى رقبة الجن، إذا كانت لديهم رقبة من أصله، المشكلة أن بعض المسئولين صدقوا أهل القرية، وكما يقولون باللغة العامية «عاموا على عومهم»، ولكنه للأسف عوم خطير فى بركة تماسيح، فتغييب المنهج العلمى هو جريمة فى حق أولئك الفقراء، وإقحام معتقدات الجن والأشباح فى تحقيقات شرطة ونيابة هو إخلال صريح بقواعد بناء الدولة المدنية الحديثة، وإذا كانوا هم معذورين فى إيمانهم بأن سبب تلك الحرائق جن وعفاريت، فالمسئول غير معذور بل مدان إذا شاركهم تلك الهلاوس، وإذا كانت قرية كفر الشيخ قد أرجعت السبب الخفى فى استفزاز الجن إلى شخص كان يتمتم بكلمات غير مفهومة على أطراف القرية بالإضافة إلى قلة إيمان بعض الشباب الذىن أغضبوا العفاريت بتصرفاتهم المنفلتة، مما جعلهم يستدعون نائباً سابقاً فى البرلمان لطرد الجن!، إلا أن قرية قنا قد عزت سبب الحريق إلى أن أهل القرية ينقبون عن الآثار ويتاجرون فى المساخيط، ونحن نعرف جميعاً أن الأصنام حرام ولذلك فإن الجن يعاقبون أهل القرية بإحراق بيوتهم نظراً لأن الجن قد كون منظمة للحفاظ على الآثار تابعة لمنظمة اليونيسكو!، وما زالوا يبحثون هم أيضاً عن نائب آخر متخصص فى نفس العلم، علم العفاريتولوجى! صدقت يا متنبى، إنه ضحك كالبكاء من فكر كالغثاء.