أهل الفيوم زعلانين من مسلسل «كلبش»، السودان غاضبة من مسلسل «أبوعمر المصرى»، الأقباط ثائرون ضد المسلسل الكوميدى «خفة يد»، لأن ممثلاً تنكر فى ثياب القسيس، المسلمون فى بركان متحفزون ومستفزون من طريقة عرض المشايخ وفتاواهم فى المسلسلات، المحامون غاضبون من طريقة تجسيد شخصية المحامى، وكذلك القضاة والأطباء والصحفيون، سكان الأحياء الشعبية يتوعّدون، سكان الكومباوندات يهدّدون.. إلخ، واقتراحى المتواضع أن نغلق دكاكين الدراما ونريح ونستريح، وبلاها مسلسلات ما دام الكل ملائكة والجميع شفاف، والمهن والوظائف كلها لا خطأ فيها ولا خطيئة، باختصار لا بد أن نقتنع ونخدع أنفسنا بأن الفساد غير موجود ومجتمعاتنا عبارة عن «يوتوبيا»، وبلادنا هى فردوس وأنهار من عسل ولبن، وسكان أوطاننا يديرون خدهم الأيسر والأيمن ليتلقوا الصفعات فى الشوارع بابتسامة، والإرهابيون نوع من أنواع الخيال العلمى، الرقابة الإدارية لا تجد قضية واحدة تلاحقها، السجون المصرية أغلقت، وتم تسريح السجانين، عشماوى اعتزل، الجماهير تملأ المدرجات ومشجعو الأهلى يجلسون وسط جمهور الزمالك يوزّعون أعواد الياسمين وعقود الفل على بعضهم البعض، ولا يوجد طبيب واحد فى بلادنا سمسار، ولم نشاهد فى حياتنا أبداً محامياً مرتشياً أو مهندساً غش فى مواد البناء ومواصفات المبانى، أو ضابط شرطة عذب متهماً.. إلخ، الدراما يعنى فعل وصراع، أبيض وأسود، صعود وهبوط، كر وفر، الفن خيال، ومصادرة الخيال فى الفن تُجهض الخيال وجموحه فى مجالات الحياة الأخرى، الذى يقتل الخيال فى السينما والدراما والشعر والرسم.. إلخ، سيعانى من جفاف الخيال فى العلم والتعليم والاقتصاد، الموبايل الذى فى يدك وتتباهى به هو نتاج خيال، لولا خيال «دافنشى» الجامح ما كانت نصف المخترعات التى ننعم بها حتى الأسلحة، كل ثمار الاكتشافات الطبية هى نتاج بذور خيال الأطباء، لولا خيال «أينشتين» وهو يعزف الكمان ما كان قد توصل إلى نظرية النسبية التى تُعد جنوناً بمقاييس زمانها، لولا خيال «داروين» الذى كانت شرارته رحلة سفينة «البيجل» ما كانت نظرية التطور، ليس صدفة أنه مع انطلاق الخيال مع فن عصر النهضة انطلق خيال العلماء الجامح، فكشفوا سر الجسم بالتشريح، وسر الكون باكتشاف دوران الأرض وأماكن الكواكب.. إلخ، نداء إلى كل المقموصين، دعوكم من تلك الأرتيكاريا، وأطلقوا عنان الخيال، فهو طوق نجاتكم.