فى 14 يونيو 2007 أى منذ 11 عاماً بالتمام والكمال ذهبت الطفلة بدور شاكر بنت المنيا ومعها كيس الحلوى مكافأة تفوقها فى الابتدائية إلى عيادة الطبيبة لكى تجرى لها عملية الختان، وبعد أن قبضت الطبيبة الخمسين جنيهاً وهو سعر تلك الجزارة، ذهبت الأم التى تعمل فى الوحدة الصحية بمغاغة لشراء الأدوية التى طلبتها الدكتورة ومعها بعض لوازم الاحتفال بهذه المناسبة، مناسبة الطهارة والعفاف!!، عادت لتجد «بدور» ميتة، جريمة بربرية ما زالت تحدث فى مصر المحروسة كوصمة عار ووشم فضيحة، منذ ذلك اليوم ونحن نحتفل كل عام باليوم الوطنى لمقاومة الختان فى ذكرى وفاة «بدور» التى دفعت حياتها ثمناً للجهل والتخلف والنفاق الاجتماعى وتزييف الوعى الدينى والإنسانى. وبعد كل هذه السنوات وكل هذا النضال وكل تلك القوانين العقابية المجرمة لختان الإناث، ما زال هناك عضو هيئة برلمانية لحزب دينى يخرج علينا منادياً بوجوب ختان الإناث على أساس دينى!!، وما زال ختان البنات سؤالاً يؤرقنى، منذ أن كنت طفلاً أرى بنات عائلتى يُسقن إلى مصيرهن، وكأنهن ذاهبات إلى السلخانة. كبر السؤال، وتضخمت علامة الاستفهام، عندما التحقت بكلية الطب، وعرفت أن هذه الجزارة البشرية التى يمارسها المصريون مع بناتهم لا تمت لعلوم الطب بأى صلة، وتيقنت، وتأكدت، من أن العرف والعادة والتقاليد والخرافة أحياناً ما تكون أقوى من المصلحة وأعلى صوتاً من المنطق وأشد إقناعاً من الحقيقة العلمية الواضحة، وتساءلت: لماذا تدلف بناتنا من عتبة الطفولة إلى باحة أجمل سن، وهى سن المراهقة عبر نافورة من الدماء؟! وكيف نسمح لأنفسنا بممارسة كل هذه السادية بتقطيع أجسادهن وبتر أعضائهن؟ ولماذا تتضخم لدينا غدة الوصاية، وننصب من أنفسنا حماة للأخلاق المزيفة التى لا يمكن أن تصنعها مجرد «جلدة» اسمها البظر، ولكن تصنعها منظومة كاملة من القيم يعلّمها لنا الدين، وتلقنها لنا الأسرة ومؤسسات المجتمع؟ ولماذا أصبحت لدينا عقدة من ممارسة البهجة ووسواس قهرى من شعور الفرحة ورعب وفزع من النشوة ومصادرة لحق إنسانى مشروع، وهو حق الاستمتاع بالجسد بكامل طاقاته التى خلقها الله بداخلنا؟! كل هذه الأسئلة وغيرها توالدت فى رأسى، ووجدت أنه لا مفر من طرحها فى كتاب كنت قد كتبته منذ ما يقرب من عشرين عاماً عن الختان والعنف ضد المرأة حتى يواجه المجتمع نفسه فى المرآة، ويرى تجاعيده بكل تفاصيلها وملامحها. ناقشت القضية وقتها من كافة جوانبها وطرحت الأسئلة أكثر من الإجابات، فطرح الأسئلة أحياناً يكون أهم من الإجابة نفسها، وقليل من الاستفزاز العقلى فى مثل هذه القضايا يكون مفيداً، ولذلك كان لا بد من مناقشة هذا الموضوع من كافة جوانبه المتعددة المتشابكة، فختان البنات أو ما يسميه العالم حالياً البتر التناسلى للإناث ليس مشكلة طبية أو دينية أو اجتماعية فقط، ولكنها حاصل جمع هؤلاء جميعاً ونتيجة تفاعل تلك العوامل، بحيث تعد مناقشة عنصر من هذه العناصر منفرداً نوعاً من الغش والخداع. ختاماً أنقل للقارئ اقتباساً من أهم الروايات العربية التى كان من ضمن أحداثها ختان البنات وهى رواية الكاتب الرائع فتحى غانم «زينب والعرش» التى تم فيها ختان زينب بطلة الرواية بعد صراع ورفض من الجدة التركية دودو هانم وإصرار من الأم خديجة ذات الأصول الريفية، ولكن قانون الأخلاق المزيفة كان هو الأعلى صوتاً، وموس أم إسماعيل هو الذى وضع نقطة نهاية السطر، وتم ختان زينب، ويحكى فتحى غانم عن زينب بعد ختانها بيوم قائلاً: «لما رأت دودو هانم زينب منفرجة الساقين منكسرة الرأس، طلبت منها أن تتقدم إليها، ولكن زينب وقفت حائرة، وضحكت خديجة وقالت إنها مكسوفة، وكان السرور يلمع فى عينى خديجة التى حاولت أن تنقل سرورها إلى حماتها، فجعلت تقول لها إنها الخير والبركة فى البيت، ولم تفعل ما فعلت إلا ليقينها أن أنوثة زينب لن تكتمل إلا بالختان، وهى لن تتزوج تركياً، ولكن زوجها سيكون مصرياً، وهو لن يرضى بزوجة بغير ختان، وجعلت خديجة تثرثر بحكايات عن رجال اكتشفوا أن زوجاتهم بغير ختان، فكانوا يطلقونهن. انتهى وصف رواية الجميل فتحى غانم ولكن الواقع القبيح ما زال يحكى روايته الدموية.