تطوُّر الجسد عبر ملايين السنين لم يكن تطوراً عضوياً فقط، ولكنه كان تطوراً سلوكياً أيضاً. كان الجسد يتطور ووجهة نظر الإنسان فيه تتطور وتتغير هى الأخرى؛ الجمجمة تكبر ويكبر معها التفكير ويتعمق التحليل، يقل الشعر الكثيف من على الجسم فينظر الإنسان إلى نفسه: أنا مختلف، لم أعد أحتاج إليه، ولا إلى المخالب أيضاً، انتصبت قامته فاكتشف العالم، صار إبهامه مفتاح الحضارة. كل ما نحن فيه من تقدم هو نتاج إعادة تشكيل هذا الجسد، الجسد الذى نحتقره وندفنه حياً فى ازدواجية وشيزوفرينيا لا يعانيها إلا نحن فى المجرة. حالات الشيزوفرينيا الصعبة تحتاج إلى الصدمات الكهربائية أو ما يطلق عليه أستاذنا أحمد عكاشة «جلسات تنظيم إيقاع المخ»، ومجتمعاتنا صارت فى أعلى درجات الشيزوفرينيا الاجتماعية والغرغرينا الثقافية!؟ كيف سنتصالح مع العالم ونحن غير متصالحين مع أجسادنا!! نحتقرها، نغنى لها «عشق الجسد فانى»، نتركها تترهل، تتشوه، الرجل يتعامل مع جسده على أنه مخزن نفايات طعام، المرأة تتعامل معه على أنه عورة ونجاسة، فلسفة تعامل مجتمعاتنا مع الجسد بشكل عام هو أنه مشكلة بالرغم من أنه الحل، هو مجرد وعاء من عظم ولحم تتلبسه الروح السامية المحلقة، لماذا تتأنق وتتشيك وجسمك سيأكله الدود؟! هذا هو الرد الإيمانى الذى سيتحفك به من يسمون أنفسهم متأسلمين وهم يذكّرونك كل لحظة بأن جسدك هو عبء تجره معك ولن تتخلص من أثقاله وأدرانه إلا فى القبر!! أما إذا كنت امرأة فكل خلية فى جسدك هى مشروع إبليس، كل دبة قدم هى خطوة إلى جهنم، كل شعرة تظهر هى فتنة لهذا الذكر الرابض خلف الأكمة، وكل كعب قدم وغضروف أنف وطرطوفة أذن هى خصم من رصيدها الإيمانى الذى يصل للصفر بمجرد الولادة، حتى مجرد جلدة البظر هى لعنة لا بد من بترها. بالرغم من أن الدين الإسلامى يدين ويحرم الانتحار، فإن الإسلاميين يظلون يفخمون ويقدسون ويُجلُّون ويخلدون الانتحارى ما دام جهادياً فجّر نفسه فى الكفرة المشركين، الانتحارى هو قمة التعامل المهين مع الجسد مهما كانت المبررات التى يسوقها هؤلاء المتأسلمون، ما هى فكرة ومفهوم الجسد عند هذا الانتحارى؟! إنه أداة تفجير تؤدى رسالة إيمانية عبر تحويله إلى أشلاء. المتأسلمة التى تجلس على الشاطئ متعطشة للبحر وأمواجه تريد السباحة وتظل تتسحب رويدا رويدا حتى يلمس رذاذ الموج خلسة أطراف جوربها السميك وهى منتشية، وما إن يناديها زوجها ذو اللحية الكثيفة من داخل البحر أن تظل جالسة تحت الشمسية لتراقب ملابس سيادته وشبشبه تعود أدراجها سريعاً وتكتفى بمجرد النظر، أو إذا سمح لها سرعان ما تغامر بالقفز فى البحر بجلبابها فى مشهد يثير الرثاء. أبتسم حينما تقول لى فتاة: أنا أضع المانيكير فقط فى ميعاد الدورة ثم أزيله ثانية حين أبرأ منها!! أو أخرى تظهر بعض خصلات شعرها من تحت الحجاب!! واضعة المانيكير وصاحبة الخصلات المكشوفة وغيرهن هن كائنات مشتتة فى حيرة، واقعات فى أسر ازدواجية تجعلهن فتافيت إنسانة ما بين سندان رغبة إنسانية مشروعة جداً فى الجمال ومطرقة مجتمع يصرخ رجاله: «أنتِ فى قاع النار يا امرأة»، وهو يتلظى ويتحرق شوقاً إليها، جسدها هو وسواسها المزمن وماضيها المشين ومستقبلها المظلم، كيف نتصالح مع العالم إذا خاصمنا أجسادنا؟! سيقول البعض مستنكراً: يعنى نتعرى عشان نعجب العالم؟! إنه ليس العرى على الإطلاق وليست الشهوة أبداً، ولكنه تحويل الجسد إلى طاقة أمل ومخزون بهجة وحافز حياة وبصمة وجود.