قضية عودة الضباط الملتحين إلى أماكنهم فى الشرطة بعد قرار الحظر والمنع الصادر من وزير الداخلية، ليست قضية خلاف بين موظف وإدارة، وليست مجرد أوراق أمام محكمة إدارية، وليست مشكلة حصرية يحسمها قاض ومحام ووكيل نيابة، مع كل الاحترام لكل هؤلاء الأشخاص والهيئات، المسألة أكبر وأعمق وأخطر، إنها قضية هوية وطن ومدنية دولة، إنها إجابة سؤال منتظرة منذ سنوات طوال عجاف تحملناها وخرجنا فى 30 يونيو ونحن نظن أننا قد حسمناها، سؤال طرح نفسه وفوجئنا بأنه ما زال معلقاً ومطروحاً وبإلحاح، هل نحن دولة مدنية بجد وبحق وحقيقى؟! هل نحن نريد دخول حضارة الحداثة واستيعاب الكل فى واحد وذوبان صراعات الهويات والعقائد وفصل الدين عن السياسة؟! خرج الشعب فى 30 يونيو من أجل الحفاظ على هويته رافضاً لفكر بديع وعصابته وليس شخص بديع وشخوص تنظيمه، تحويل قضية الضباط الملتحين لجدل فقهى ليس من صفات الدولة المدنية الحديثة، القضية قضية التزام وظيفى بمعايير مؤسسة وضعت شروطاً عند تعاقدها مع الموظف، أكرر الموظف لا الداعية، بروتوكول متفق عليه يعرفه جيداً منذ أن وقع ورقة تسلم العمل، وما حدث يفتح الباب لمفاجآت مقبلة أخرى عن حرية ارتداء الجلباب فى الكمائن وارتداء الشرطة النسائية للنقاب والبنتاكور لشرطة السياحة وحرية نزع الرتب ووضع البروش بدلاً منها! الدولة المدنية بتلك التصرفات والسلوكيات والمفاهيم تتآكل كأصابع المجذومين وسيقان مرضى الغرغرينا، الفتوى تغلب القانون، وابن تيمية ينتصر على السنهورى، والجدل الفقهى يعزل الصرامة الحقوقية، لا يوجد ما يسمى دولة متدينة ودولة كافرة، الدولة كيان معنوى لا دين له، ولحية الضابط ليست موضة روشنة شبابية أو حرية شخصية ولكنها لافتة دينية يرفعها الضابط الذى يربيها بمواصفات سلفية معروفة ومعلنة، لافتة يرفعها أينما حل وراح، فى كمين أو فى قسم، ناسياً أن مهمته تحقيق العدل والحماية وليست الدعوة أو الغزوة، ومن يطلب العدل والحماية والإنصاف لا بد أن يشعر فى من يمثل الشرطة بالحياد وبدون لافتات دينية، ولا بد لوزير الداخلية الذى يعرف جيداً أن هناك داخل جهاز الشرطة من لم يطلق اللحية ظاهرة إلى الخارج لكنه أطلقها مخفية إلى الداخل، تنمو داخل الصدر والعقل والوجدان، يعرف أن هناك قلة محدودة من داخل المؤسسة الشرطية للأسف منهم من نبه الإرهابيين إلى تغيير مواعيد كمائن، هناك من أبلغهم بخط سير الشهيد محمد مبروك، هناك من شارك وتعاطف، هناك من حضر دروساً داخل كلية الشرطة لدعاة يمجدون الإخوان بل وينتمون إليهم وحذرنا عشرات المرات من تلك الأسماء والندوات.. إلخ، كل هؤلاء من أصحاب الذقون الداخلية لا بد من الحذر منهم والحظر لهم، فأحياناً المستتر يكون أخطر من المعلن. تحيا مدنية الدولة. استكمال 30 يونيو فريضة.