المراهق بالنسبة للآباء والأمهات فى بلادنا هو ديناميت ينتظر لحظة الضغط على الزر، ليصيب الجميع بشظاياه العصبية واحتراق سلوك أعصابه العارية، وهذه أكبر مشاكلنا، فشلنا فى التعامل مع هذا المراهق، فما تظنونه ديناميتاً مدمراً من الممكن أن يشق جبلاً لكى نبنى طريقاً للمستقبل، لماذا لا نحول تلك الطاقة التى تسكن أدرينالين المراهق إلى محرك إيجابى؟، لماذا لا نثير نوازع الطموح والوثوب والتحفز بقليل من الثقة فيه إلى أساس بناء وليس حائط صد وجدار عزل ما بيننا وبينه؟، لماذا نظل فى حوار الطرشان نتكلم بالصينية مع من يجيد اللغة الروسية؟!، مشكلة المراهق مشكلة مؤرّقة نهرب من مناقشتها وطرحها، لذلك سعدت كثيراً بعدد مجلة «الجديد» الأخير، وهى مجلة ثقافية رصينة ومتميزة يرأس تحريرها الكاتب الكبير نورى الجراح تعتنى بالعقل وتناقش بجسارة وتقتحم بمنطق شجاع كل مشاكل العقل العربى المزمنة، ملف المراهقة الذى يحتل معظم صفحات المجلة هو نواة لمناقشة عربية أوسع ولعمل موائد نقاشية مستديرة من المحيط إلى الخليج للوصول إلى مجتمع صحى غير مرهق بمراهقيه، تحويل المراهق من خانة الأزمات إلى خانة اللزوميات هو فريضة عربية واجبة الآن، لأننا بنظرة بسيطة سنجد أن معظم الإرهابيين هم نتاج فترة مراهقة مأزومة ومهزومة، هناك أفكار كثيرة طرحها الملف، سأقتبس بعضها لحين رجوعكم إلى المجلة نفسها: يقول «روسو»: «اتبعوا مع الناشئة طرقاً مختلفة، بل ومعاكسة لطرائقكم، وهى أن تجعلوا المراهق يشعر بأنه حرّ فى اختياره، فيما يرغب أن يتعلم وفيما يميل إليه وفيما يؤثر من أشياء، وبمعنى أدق: دعوه يشعر بأنه هو من اختار». «مثل هدير الأمواج الذى يسبق العاصفة، هكذا تأتى همسات العواصف المتصاعدة لتنذرنا بالخطر الآتى من التغيرات المزاجية، نوبات الغضب المتكاثرة، التقلبات الذهنية المستمرة التى تجعل الولد خارج سيطرتنا، لذلك يجب أن تضع يدك على الحزام قبل أن تفقد كل شىء». المراهق فى الثقافة العربية فى معظم ما قرأناه وشاهدناه، فى الرواية، والسينما والمسرح يُظلم مرتين. الظلم الأول يقع عليه حين يستبعده الأطفال من اللعب معهم، لأنَّه أكبر منهم، ويُظلم ثانية حين يطلب منه الأكثر رشداً الابتعاد عنهم، لأنه لا يزال صغيراً، فهو ضائع بين الأطفال، والكبار فى الوقت نفسه، فالمسكين يفكّر، ويحلم، ويرى الحياة كطفل، ولا يسمح له نضوج وضخامة جسده بالبقاء فى مستوى تفكيره. ولا يعينه مستوى تفكيره على الولوج إلى عالم الراشدين، وتحمّل مسئولياتهم، أو هكذا يسىء ظن الراشدين به. المراهق فى معظم الأعمال الثقافية العربية، مجرد متمرد على الأعراف والقيم، ومسىء لمن هم أكبر منه سناً، وهو فى العادة من يرتكب الحماقات، ويمارس العدوان على من هم أصغر منه سناً، وهو نموذج للسوء والعدوان، وعدم الانضباط، وفى أغلب الروايات والأفلام والمسرحيات يظهر المراهق ضحية للإدمان على المخدرات أو ترويجها، أو نراه فى الأفلام سارقاً أو قاتلاً من دون الغور فى الأسباب التى أدَّت إلى هذه النتيجة أو توضيح الجواب لسؤال لماذا يصير المراهق بهذا الوضع الشاذّ المعارض لما تم التعارف عليه اجتماعياً؟ روح المراهقة هنا تظهر فى النزعة اللائية. إن «اللاء» هنا للتعبير عن أول وعى بالحرية، المراهق انتقل من حرية الطفل التى لا يعيها، إلى ذات أصبحت، بفضل وعيها لأناها، واعية بحريتها، وبفضل وعيها بحريتها نمت لديها قوة الرفض المعبّر عنها بـ«لا» المتمردة، والتى تميز روح المراهقة، حتى ليمكن القول إن روح المراهقة هى روح التمرّد. وهو ما يظهر فى سلوك التأفف من كل ما كان يألفه الطفل، فما كان الطفل متكيفاً عليه لم يعد ذا قيمة، وصارت أمام المراهقة بوصفها تأففاً مهمة إعادة التكيّف مع العالم، فليس المراهق هو الكائن الجديد، بل العالم كله بالنسبة إليه جديد ويحتاج إلى عملية تكيّف جديدة. هنا بالذات يظهر التوتر والصراع فى الذات الجديدة، التوتر هو النتيجة الضرورية لروح التمرّد. هذه الروح التى تجد نفسها لأول مرة أمام اتخاذ قرارات متعلقة بالمصير.