تأكيد المفكر المغربى سعيد ناشيد أن الحجاب عادة لا عبادة فى كتابه «دليل التدين العاقل» سيظل هو الأكثر سخونة وإثارة للجدل فى القواعد الخمس عشرة التى يؤسس عليها التدين العاقل، لأنها صارت المعركة المضمونة التى يكسبها الإسلام السياسى دوماً فى بلادنا، وأى مفكر يقترب، مجرد اقتراب، من تلك المنطقة الملغومة يتم تكفيره دون تردد، فما بالك بالمؤلف الذى كتب صراحة: «مصطلح الحجاب فى الخطاب القرآنى يدلّ على السّتار المعنوى، وفى السّنّة النّبوية يدلّ على الستار المنزلى، وفى كلّ الأحوال فإنّه لا يدلّ على لباس المرأة. لذلك فإنّ الحجاب الذى يدلّ فى طوائف «الإسلام السّياسى» على لباس المرأة المسلمة، ليس مفهوماً قرآنياً، ولا هو بالمفهوم السّنّى كذلك، إنه شريعة التّابعين، وفقه جمهور التّابعين، وعادة تابعى جمهور التّابعين إلى يوم الدّين، لغاية تكريس التّديّن الطائفى، ودونيّة المرأة»، وبما أن كلمة الشريعة هى مفتاح الشفرة السرية لسيطرة الإسلام السياسى على جمهور الشارع، فقد كان لزاماً على المؤلف أن يفرد لها قاعدة خاصة يؤكد فيها أن «الشريعة، فى مبدأ القول ومنتهاه، ليست كلام القرآن ولا كلام الرّسول، ولا هى ضمن مسلمات العقيدة والإيمان، بل إنها ثمرة اجتهاد الفقهاء على مدى ألف عام أو يزيد، انطلاقاً من بعض الآيات المنتقاة، وبعض الأحاديث المنتقاة»، وأنها بنت عصرها ومكانها، وأن جهود الفقهاء تلك اتسمت أيضاً بسمات العصر الذى عاشوا فيه وقتها، عصر التوسّعات الإمبراطورية. لذلك، طبيعى أن تأتى المفاهيم الأساسية لأهم أبواب الشريعة متناغمة مع عصر التوسعات الإمبراطورية فى العالم القديم (البيعة، الطاعة، الجماعة، الجهاد، الغزو، الغنيمة، الجزية، الخراج، السبى، الثغور، الولاء والبراء، دار الحرب ودار الإسلام، التدافع، الاحتراب، التمكين، إلخ). بكل تأكيد، فإنّ مثل هذه المفاهيم لم تعد فى رأى المؤلف تناسب عصر الدّولة الوطنية الحديثة، ودولة الحق والقانون. ويحذر سعيد ناشيد من ربط الدين بالخوف الذى لا ينتج إلا إنساناً منافقاً، ويحذر من أنه إذا استشرى الخوف فى أوصال المجتمع، يفقد الناس ثلاث قدرات أساسية هى من صميم الشرط الإنسانى: القدرة على التفكير، والقدرة على الحب، والقدرة على الاحترام، بعد أن يعرض المؤلف قواعد التدين العاقل التى ألقينا الضوء على بعضها، سيشرح لنا تناقضاً رهيباً نكاد لا نفهمه حين نرى انتقاماً وذبحاً من إنسان لإنسان آخر وهو يهتف «الله أكبر»، وملامحه تنضح كراهية، وكل هذا وهو يتخيل أن هذا فرط تدين، هذه الكراهية يسميها «ناشيد» «الكراهية اللاهوتية»، وتلك الكراهية اللّاهوتية يصفها بأنها أشدّ أنواع الكراهية خطراً على العيش المشترك، لأنها طالما بلغت شدّتها فمن النادر أن يعقبها شعور بالذنب، الحل يتكرّر كثيراً فى عبارة التفكير الفلسفى وتبجيل المؤلف للفلاسفة الذين يقول عنهم إنهم لا يدخلون الجحيم، لذلك لن نندهش عندما نعرف أن كتابه القادم ومشروعه الذى سيخرج إلى النور قريباً هو كتاب بعنوان «التداوى بالفلسفة»، لذلك هو يرى المسلمين الآن ما زالوا فى كهف أفلاطون، ويقول إن الحقيقة تعمى العيون التى اعتادت على ظلمة الكهف، أما نحن فقد أوهمنا العيش الطويل فى كنف الكهف بأنّ كل شىء على ما يرام، ومن قسوة الواقع وتخلفه تأتى تلك العبارات النارية التى يطلقها سعيد ناشيد فى فصول الكتاب الأخيرة على صدر مجتمعه الكبير من المحيط إلى الخليج، الذى يكتوى بنار الفاشية الدينية، الغارق فى خضم المزايدات الشكلية، يصرخ فينا ويفتح الخراج الملىء بالصديد بكلماته المسنونة المدببة، قائلاً: «لا زاد لنا غير المزايدة. نزايد على جهلنا بسلاطة اللسان، نزايد على فقرنا بالتحريم والحرمان، نزايد على عُرينا بالحجاب والنقاب والكتمان، نزايد على وَجعنا بالعربدة والعدوان، نزايد على التعبّد بالتشدّد، وعلى العقل بالنقل، وعلى البرهان بـ«قال فلان بن علان»، نزايد على الفشل فى البنيان بتفجير الأبنية والعمران، نزايد على إخفاقنا فى الحياة بكراهة الدنيا وأدعية الأحزان والأكفان. هكذا صرنا الآن، نعربد ونتفاخر، نفعل ذلك فى الدين والسياسة والتجارة. زوّرنا أعز ما لدينا، بدّلنا ديننا، حوّلناه من رحمة للعالمين إلى جمرة نخاف منها يوم الدين، جعلنا العادات عبادات والمعتقدات معتقلات». كتاب «دليل التدين العاقل» كتاب يستحق أن يُقتنى، وأن يصبح مركزاً لدوائر حوار فى كل الدول الإسلامية.