استيقظنا أمس على جريمة بشعة، بها من المتناقضات ما يكفى المجرة، جريمة تحتاج إلى علماء اجتماع كوكب الأرض لكى يحللوها ويفكوا شفرتها، فدلالاتها أخطر من تفاصيلها، شاب من الدقهلية حاصل على ليسانس دراسات إسلامية يقتل والده بحجر، ويهشم رأسه، ثم يأتى بمنجل ليفصل رأسه عن جسده، وبعدها يحضر الشكائر ويضع فيها أشلاء الجسد المبتورة، موزعاً إياها بين المنصورة وكفر الشيخ!، والسبب أن أباه كان يريد توريث أرضه الزراعية وتقسيمها حسب الشرع بينه وبين شقيقاته، رفض الابن الدارس للشرع والدين والفقه، قائلاً: الأرض لا تذهب لأزواج أخواتى البنات!، ثم كانت تلك الميلودراما الفاجعة التى أثبتت أن العرف أقوى من الدين، وأن التقاليد أقوى من القوانين، وأن هذا المجتمع الذكورى يطبّق قوانينه السرية التحتية بكل قوة، ضارباً عرض الحائط بكل ما هو قانونى أو دينى أو حتى إنسانى، ما زالت سطوة تلك الفكرة الإقصائية للمرأة مسيطرة ومتحكمة فى مفاصل هذا المجتمع، هذا الشاب الذى حتماً مثله مثل الكثيرين من فحول شبابنا كان يتحكم فى شقيقاته وينهرهن ويضربهن إذا لبسن ما يخالف أوامره، أو ظهرت خصلات شعر إحداهن، أو تحدثن إلى رجال دون إذنه، أو رفعن أصواتهن العورة.. إلخ، رافعاً شعار الحفاظ على العرض، تسامح المجتمع المحيط مع عنف وفاشية الحفاظ على العرض، بل شجعه، وصفق له، فتشجع وتغول أكثر، وانتقل من حفظ العرض إلى سرقة الأرض، فالأول كان حقه، والثانى هو حقه أيضاً، وما يفعله هو مجرد استمرار على نفس النهج والطريق، ليس إلا، كنا نعيش فى وهم أن مشكلة منع المرأة من ميراثها فى الأرض الزراعية مشكلة صعيدية فقط، لكننا بجريمة الدقهلية عرفنا أن السرطان قد نشر ثانوياته فى الدلتا أيضاً، وفى دراسة نشرتها «الوطن» منذ سنتين، ولم ينتبه إليها أحد، قرأنا أرقاماً يشيب لهولها الولدان، الدراسة التى أعدتها الدكتورة سلوى محمد المهدى، مدرس علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة قنا، تحت عنوان «ميراث المرأة فى الصعيد بين الواقع والمأمول»، والتى درست فيها تلك الظاهرة البربرية فى قنا وسوهاج، نشرت رقماً مفجعاً، المفروض أن يزلزل مكاتب المسئولين فى مصر، ذكرت أن نسبة تقترب من 95.5% من النساء فى المحافظتين «محرومات من الميراث»، بسبب الثقافة السائدة بأن الميراث سينتقل إلى أشخاص أغراب عن العائلة!، وأكدت أنها أثناء دراستها لظاهرة حرمان المرأة من الميراث، اكتشفت أن هناك عدداً من القضاة ورجال الدين أكلوا حقوق شقيقاتهم، ورفضوا إعطاءهن نصيبهن فى الميراث. وأوضحت أنه عندما تحدثت لإحدى السيدات، وحثتها على رفع قضية للحصول على ميراثها، أخبرتها السيدة بأن شقيقها قاضٍ، فلمن تكون الشكوى، وهو المخول بإعطاء حقوق الناس، ولا يعطى شقيقته حقها. وأضافت أنها التقت إحدى الحالات، رفض شقيقها وهو «رجل دين»، منحها نصيبها من الميراث، معتبرة أنه «أمر فى منتهى الخطورة»، إذاً لا قانون ولا دين رادعاً لتلك الجريمة المسكوت عنها والمتواطأ معها، كما كشفت الدراسة عن أرقام صادمة أخرى، مثل أن 4.5% فقط من النساء اللائى شملتهن الدراسة، أخذن ميراثهن دون المطالبة به، وأن 59.5% تم حرمانهن من الميراث، بينهن 57% طالبن بميراثهن، مقابل 43% لم يطالبن به. وأثبتت الدراسة أن نسبة تُقدّر بنحو 38% لديهن يقين بأنه من المستحيل حصولهن على ميراثهن، فى حين أن 29% اعتبرن أن تقاليد العائلة تمنعهن من المطالبة بميراثهن، و23% لم يطالبن بالميراث أساساً، حتى لا يخسرن أهلهن!!، وحاولت الدراسة الإجابة عن تساؤل: «ماذا حدث بعد أن طالبت 57% ممن تم حرمانهن من الميراث بحقوقهن؟»، فكانت النتيجة «صادمة»، حيث تبين أن 48% منهن لم يحصلن على شىء على الإطلاق، مقابل 34% أخذن جزءاً من حقوقهن، أما من استطعن أن يأخذن ميراثهن كاملاً، فكانت نسبتهن نحو 18%، كما تساءلت الباحثة عن كيفية تصرف عينات الدراسة، اللاتى لم يأخذن شيئاً على الإطلاق من الميراث، فجاءت نسبة 35% منهن بأنهن قطعن علاقتهن مع الأهل، بعد رفضهم إعطاءهن ميراثهن، بينما فضلت 42% «التزام الصمت وتفويض الأمر لله». وقال عدد منهن أثناء المقابلة: «ما باليد حيلة»، فيما أعربت 13% عن أنه ما زال لديهن أمل فى الحصول على ميراثهن، بعد أن قمن بدعوة عدد من الأصدقاء والمقربين، ليقوموا بدور الوساطة عند الأهل، وكانت نسبة من تصرفن بجرأة، وأقدمن على إقامة دعاوى قضائية أمام المحاكم، لا تتعدى 10% فقط. إنها أرقام مرعبة تعكس واقعاً أكثر رعباً، فماذا نحن فاعلون؟!.