لم يكن ستيف جوبز يتصور، وهو يقضم التفاحة التى جعلها «اللوجو» الخاص لشركته الوليدة، أن تلك الشركة ستصل قيمتها إلى تريليون دولار! هذا الرقم الخيالى تصدّر نشرات الأخبار الاقتصادية أمس، وهو أكبر رقم سجلته البورصة فى تاريخها لشركة كانت حلماً فى ذهن رجل أسطورة رحل وهو لا يزال مصراً على زرع بذور الحلم فى تربة الأمل. التنافس شرس ما بين «أبل» و«هواوى» و«سامسونج». ورغم أن «أبل» صارت الثالثة هذا العام فى مبيعات سوق الهواتف الخلوية فإن قيمتها السوقية وقدرتها التسويقية صارت خارج المنافسة بسبب تزايد عائداتها من بيع الموسيقى والتطبيقات والألعاب والاشتراكات والخدمات الأخرى التى تبيعها لمستخدمى أجهزتها. وليس إعلاناً أو تحيزاً أن أقول إننى من حزب «الآيفون» رغم أننى أحمل نسخة قديمة ولست ضليعاً فى مقارنات الموبايلات، لكن هناك سحراً خاصاً يجذبنى ويجذب الكثيرين إلى هذا المنتج ويجعلهم مدمنين لاستعماله. صدرت مئات الكتب حول العالم لتفسير سر نجاح هذه الشركة، من الممكن ألا تكون لدى «آيفون» أفضل كاميرا أو أسرع شاحن أو أطول البطاريات عمراً... إلخ، إذاً ما هو السر؟ إنها التوليفة وإنه التسويق، ذكاء فى توليفة تلبى حاجات المستهلك ببساطة ولا تركز على عنصر معين، وذكاء فى تسويق المنتج بأفكار مبتكرة خارج الصندوق، فبالرغم من أنك قد لا تحصل على الأفضل فى كل مجال، فإن مجموع ما حصلت عليه يتفوق على غالبية المنافسين، مثل درجات الامتحان، لن تصبح الأول إذا حصلت على الدرجة النهائية فى الرياضيات ورسبت فى اللغة العربية! ستيف جوبز كان قد وضع قواعد النجاح ورسمها كالوشم فى أذهان فريقه.. القاعدة الأولى «فكّر ماذا تصنع وليس كيف تصنع، واجعل رغبة المستخدم، حتى ولو كانت خيالية، هى وجهتك». حدث هذا مثلاً أثناء طرح «الآيبود»، كانوا منهمكين فى ابتكار شاشات اللمس أو الحاسوبات اللوحية، ولكنه وضع نفسه على موجة الشباب، فوجد سماع الموسيقى مطلوباً ومكتسحاً، القاعدة الثانية «البساطة والجمال والشياكة تصنع النجاح»، بنظرة سريعة إلى تصميم العلبة، ولن أقول التليفون، ستدرك ما أقول عن تلك العناصر الثلاثة، القاعدة الثالثة «اجعله بسيطاً شكلاً، ومعقداً خرقاً أو اختراقاً»، القاعدة الرابعة هى الذكاء التسويقى العابر والمتجاوز، ليست الوسيلة كثرة الإعلانات الملحة، فمؤتمر صحفى واحد فى ميعاد معروف مسبقاً ينجح أكثر من ألف إعلان ضوضائى مزعج، التسلل عبر المسلسلات والأفلام الناجحة أعمق تأثيراً من الإعلانات التقليدية المباشرة. وكلنا نتذكر الدورة الأولمبية فى «ريو دى جانيرو»، حيث قامت «سامسونج» بدفع مبالغ باهظة لنشر إعلاناتها هناك، ولكن «أبل» قامت بابتكار أساور لساعاتها تتميز بألوان أعلام الدول المشاركة، وهو ما جذب المشاهدين والرياضيين وشهد إقبالاً كاسحاً على شراء تلك الأساور وارتدائها والتصوير بها فى الإعلانات. رقم التريليون دولار أعاد النظر فى جدوى النهضة الاقتصادية من خلال المشروعات الريعية مثل النفط فقط، أو حتى مصانع الملابس، أو الأدوات الكهربائية... إلخ، فمن الممكن بابتكار جديد، أو «أبليكيشن»، أن تخلق أنت التعطش إليه، والذى لم يكن ملحاً، وتجعله أنت ملحاً بطريقة تسويقك الذكية. هذا الرقم وغيره من أرقام تايكونات الإنترنت والهواتف ومواقع التسوق تجعلنا نقول إن أهم استثمار هو الاستثمار فى الإنسان، وفى العقل، وفى تنمية الخيال.