قدمت اللجنة الدينية لمجلس النواب المصرى مشروع قانون بتجريم إهانة الرموز التاريخية، وبه من عقوبات الغرامة والسجن ما يشيب لهوله الولدان. وقد بدأت بذرة هذا القانون، وظهر الحماس والإلحاح على ضرورة وسرعة إصداره فى جلسة ناقشت انتقاد بعض الكتاب لبعض آراء الشيخ الشعراوى. هنا بدأت صياغة القانون المقترح، وظهرت أسنّة الرماح، بالرغم من أن كل الانتقادات التى وُجهت للشيخ الراحل كانت لآراء ليست من صلب الدين أو العقيدة، ولكنها فى السياسة والاجتماع والصحة، مثل سجوده بعد هزيمة 67، ورفضه لزرع الأعضاء، وتشجيعه للختان... إلخ. وأعتقد أن النقد والتفنيد، بل والرفض لتلك الآراء، لا يمثل إهانة على الإطلاق، إلا إذا كان مفهوم الإهانة هو مجرد فتح الفم اعتراضاً! لذلك أقترح تغيير اسم القانون إلى قانون «تقديس وتأليه الرموز». وسأجرى تجربة أمام النائب المبجل المحترم د. عمر حمروش، أمين اللجنة الدينية بالبرلمان، وصاحب فكرة القانون، سأنقل نصوصاً وكلاماً من رمز دينى تاريخى يوجهه إلى رمز تاريخى آخر، والاثنان غالباً من الصحابة، وهل هناك أغلى وأهم من الصحابة كرموز وأمثلة؟ الكلام من كتب موجودة على رفوف الأزهر وتدرس فيه وهى الجامعة التى يعمل فيها كأستاذ د. عمر نفسه، وأرجو منه وضع مادة الاتهام ومن هو المتهم، هل هو أنا مجرد الناقل للكلام، أم المطبعة التى طبعت، أم كتاب التاريخ، أم من؟ وما هو نوع الإهانة؟ وهل هى إهانة أصلاً؟ ولنبدأ التجربة: لو كتبت هذه القصة من مراجعكم، وهى رسائل متبادلة قاسية بين على بن أبى طالب، إمام المتقين، وابن عباس، حبر الأمة، وهى باختصار أن أبا الأسود الدؤلى أرسل رسالة لعلى بن أبى طالب يقول فيها إن ابن عباس «أكل ما تحت يده -من بيت المال- بغير علمك»، فى إحدى الرسائل يقول على: «إنى كنت أشركتك فى أمانتى. ولم يكن من أهل بيتى رجل أوثق منك فى نفسى لمواساتى ومؤازرتى، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدو عليه قد حرب، قلبت له ظهر المجن، ففارقته مع القوم المفارقين، وخذلته أسوأ خذلان الخاذلين، وخنته مع الخائنين، فلا ابن عمك آسيت، ولا الأمانة أديت، كأنك لم تكن الله تريد بجهادك، وكأنك كنت تكيد أمة محمد عن دينهم، وانتهزت الفرصة واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم اختطاف الذئب الأزل دامية المعز الهزيلة، فحملت أموالهم إلى الحجاز رحيب الصدر غير متأثم، سبحان الله!.. أما تعلم أنك تأكل حراماً وتشرب حراماً؟..»! كانت نهاية القصة هى رد ابن عباس بأنه يستحق هذا المال وأكثر منه، ثم كانت الرسالة الأخيرة الصادمة: «لئن لم تدعنى من أساطيرك لأحملن هذا المال إلى معاوية يقاتلك به»!! كيف ستطبق، يا دكتور حمروش، قانون إهانة الرموز فى هذه الحالة؟ الصحابى الجليل طلحة، المبشر بالجنة، يقول لقواد حصار عثمان، ذى النورين والمبشر بالجنة أيضاً: «إن عثمان لا يبالى ما حصرتموه وهو يدخل إليه الطعام والشراب، فامنعوا الماء أن يدخل عليه»، ويقول عثمان رضى الله عنه: «اللهم اكفنى طلحة بن عبيدالله فإنه حمل علىّ هؤلاء وأَلّبهم. والله إنى لأرجو أن يكون منها صفراً وأن يُسفك دمه، إنه انتهك منى ما لا يحل له»! هل يا دكتور حمروش ستحاكم الطبرى الذى كتب؟ أم ستحاكمنى أنا الذى نقلت؟ وماذا ستفعل مع أطراف القضية ومعركة التلاسن؟! قال عمرو بن العاص وهو فى ضيعته فى فلسطين عندما سمع خبر مقتل عثمان: «أنا أبوعبدالله إذا حككت قرحة نكأتها، إن كنت لأحرّض عليه حتى إنى لأحرّض عليه الراعى فى غنمه فى رأس الجبل». وأنا أسأل مجرد سؤال، مع عميق الاحترام والحب للصحابيين الجليلين، هل ستتقدم يا د. حمروش بطلب إحاطة لمحاكمة مراجعنا التاريخية؟ أم ستتقدم بقانون لمنع قراءة الطبرى وغيره ممن أوردوا تلك الإهانات للرموز؟! والسؤال الأخير لصاحب القانون وللبرلمان: ما رأيكم فيما حدث لمحمد بن أبى بكر، والذى ذكره ابن كثير وابن الأثير، بجانب الطبرى، عن أنه قد أُحرق فى جوف حمار ميت فى عهد تولى عمرو بن العاص، وأُرسل رأسه إلى معاوية، وظلت السيدة عائشة أم المؤمنين تدعو عليهما وتحرم على نفسها الشواء حتى ماتت؟! هل من يكتب عن تلك القصة أهان كل تلك الرموز، أم أنه ينقل تاريخاً، وليست قضيتى أنه تاريخ مسكوت عنه المهم أنه تاريخنا.