ما زال حلم الخلود يداعب البشر منذ إنسان الكهف حتى إنسان الإنترنت، وبالرغم من أن التقدم الطبى قد انعكس على متوسط عمر الإنسان الذى تجاوز السبعين فى بعض البلاد الغربية، فإن طمع وشهوة الإنسان فى الخلود أقوى من مجرد الحياة الطويلة، إنه حلم الحياة الأبدية حتى ولو كانت عبئاً ثقيلاً، فقد ذكرت صحيفة «ديلى ميل» البريطانية أن علماء فى جامعة «هارفارد» طوروا دواء مهمته مكافحة الشيخوخة، وقد يطيل عمر الإنسان حتى 150 عاماً، ونقلت الصحيفة عن الأستاذ فى جامعة هارفارد، ديفيد سينكلير، وباحثين من جامعة «نيوساوث ويلز»، قولهم فى تصريحات صحفية مطلع الشهر الحالى، إنهم بصدد تطوير عقار جديد يعيد برمجة الخلايا البشرية ويجددها، ومن شأنه مكافحة الشيخوخة، وإطالة متوسط أعمار البشر حتى 150 عاماً، وإعادة نمو أعضائهم، أما «جوجل» صاحبة الابتكارات فقد أسست شركة «كاليكو» (شـركـة كاليفـورنيا للحيـاة)، ومهمتها «تمكين الناس من العيش حياة أطول وأكثر صحة»، لكن تظل شفرة الخلود فيما يسمى «التيلومير»، الذى لو استطاع العلماء كبح جماح المادة التى تقصر عمره سيكونون قد حققوا المعجزة التى يحلمون بها، التيلومير كلمة يونانية من جزأين «TELOS» بمعنى نهاية و«MEROS» بمعنى جزء، أى إنه الجزء الذى فى النهاية، ولكن فى أى نهاية يكمن التيلومير؟، إنه جزء صغير فى نهاية الشريط الوراثى الموجود فى نواة الخلية المسمى الكروموسوم ملفنا وكتابنا الوراثى الهائل المكتوب من تباديل وتوافيق لأربعة حروف فقط، واسم التيلومير المدون فى بطاقته الشخصية هو «ت ت أ ج ج ج»، من الممكن أن تعتبر هذه الحروف لغواً وهزاراً لكنها فى الحقيقة إكسير الخلود، العلماء يشبهون التيلومير بالحلقة المعدنية المثبتة فى نهاية طرف الحذاء والتى كلما قصرت ظهرت نهاية الرباط وبليت وهلكت وفقدت الحماية، كذلك الكروموسوم كلما تم نسخ المادة الوراثية أو الملف الوراثى قصر جزء من التيلومير، وكلما قصر طوله اقتربت الخلية من النهاية، حتى تدق ساعة الخلية المبرمجة فينتهى التيلومير وتودع الخلية الحياة وتموت بطارية شحن الساعة فتقف عقارب الزمن. التيلوميراز هو الإنزيم الذى يبنى ويطيل ويشيد التيلومير، يعمل بهمة ونشاط فى ثلاثة أماكن، المكان الأول خلايا الجنين، والثانى خلايا الجنس سواء طلائع الحيوان المنوى أو البويضة، أما المكان الثالث فهو للأسف خلايا السرطان! والتى تنقسم بلا هوادة وليس لها سقف أو خطوط حمراء، ولذلك فما تم من فك مغاليق لغز التيلوميراز هو معجزة علمية وقبلة حياة للمسنين ومرضى السرطان. خطوات متفرقة ودقات متوالية على باب التجربة العلمية ساعدت فى حل اللغز، منها ما شاهده العالم هايفليك ١٩٦٠، الذى ننسب إليه «حد هايفليك الحرج»، وهو الحد الذى تشيخ عنده الخلية وتبدأ فى الانتحار البطىء، عندما اكتشف أن خلايا الجنين فى المعمل تنقسم ٨٠ مرة، بينما تنقسم خلايا ابن السبعين عاماً ٢٠ مرة، ومنها خلود الأميبا والبكتيريا التى تنقسم بلا نهاية وتخرج ألسنتها لنا قائلة «ها نحن اكتشفنا وذقنا طعم الخلود وأنتم معشر البشر ما زلتم تبحثون عن سراب». فهل سيصبح وهم السراب حقيقة ملموسة أم أنه المستحيل ومناطحة الصخر؟!