رحلت الفنانة الجميلة عطيات الأبنودى، تحررت روحها من سجن الجسد المنهك وحلّقت كما كانت دائماً تحلق وتدهشنا، قبل رحيلها بشهور، اتصلت بى تعليقاً على مقال كنت قد كتبته تحية لها واحتفاء بها بعد تكريمها فى مهرجان أسوان، كانت الرائعة تجاهد لتلملم حروف الكلمات، لكنها كانت مُصرة على استكمال الحوار، ما زال يسكنها عناد الفن وتمرد الإبداع برغم سجن الجسد وخمود العصب، عشقتها مبدعة وإنسانة، زرناها مجموعة من الأصدقاء بعد تخرجنا فى منزلها البسيط على حدود السويس، كانت معجونة بشريط السينما الساحر، تتحدث بالصورة والكادر واللقطة، تباعدت بيننا السنون، ثم التقينا وهى تصور فى الإسماعيلية اللى باع واللى اشترى، ثم توالت اللقاءات مع كل مهرجان تسجيلى، إلى أن توقفت عن الاشتراك فيه بسبب ظروفها المرضية، رثاء عطيات الأبنودى ليس بشواهد القبور وكلمات التعزية ولكن بمشاهدة إبداعها الذى ظلمناه بالتجاهل، سأقدم للقراء فيلمين من أفلامها الأولى، لتقتربوا من عالمها الفنى الخاص الساحر، سأعطيكم الرابط وسأكتب لكم انطباعى السريع بعد مشاهدته، لن أصادر بانطباعاتى على تقييمكم لأفلامها، لكن شاهدوها فقط، وستعرفون أنكم قد خسرتم الكثير لأنكم لم تتعرفوا على عالمهما السينمائى، الفيلم الأول أغنية توحة الحزينة: https: //youtu.be/dx86Jooufo4 القدر بخيل على الغلابة بالفرحة، يضن عليهم بالابتسامة ويقتر عليهم بالضحكات، فيقررون سرقة البهجة خلسة من جيب الزمن المثقوب، سيرك الشارع، ناس بتتفرج على ناس والإيد ممدودة، ونحن نثبت الكادر ونتفرج على مشهد الفرجة، منتظرين لحظة إسدال الستار بإلقاء القروش من النوافذ والبلكونات، لتلتقطها أيدى الأطفال المعروقة والكبار الخشنة، هم لا يحافظون على نحافتهم من أجل ممارسة ألعاب السيرك، ولكن لأنهم لا يجدون ما يسدون به رمقهم، هناك من يرتق الطبلة، وهناك من ينفخ التراب عن مزماره الصدئ، يشكل الأب أجسام بناته لتكتسب مرونة العجين ليضمن مكسب الجمهور، يلملمون ثروة آخر النهار ليجتمعوا على وليمة كسرات الخبز ومرقة أرجل الدجاج التى اقتنصوها من مخالب الزمن وأنياب القدر، يتحايلون على أكل العيش بهلوانات ويعيشون على الهامش أراجوزات، لكن الحياة يجب أن تعاش، وهم يحبون الحياة ويغنون لها برغم أن الحناجر مشروخة يلف حبالها الحزن. الفيلم الثانى حصان الطين: https: //youtu.be/KPIHckM04GU حصان الطين رفع الغمامة، وانطلق من الأسر، فمتى يرفع الفقير غمامته؟! يجرفون الأرض لبناء قمائن الطوب ويجرفون معها نبل وكرامة الفرس الجميل، ويغمسونه فى الطين ويغمرونه به، ويجرّفون كرامة الفقير معه ويدهسونه، ٧٥٠٠ طوبة لقاء خمستاشر صاغ!! يدلك الحصان المنهك نفسه فى التراب للتخلص من الطين ويبلل الفقير وجهه بقطرات ماء الترعة الراكدة المليئة بقواقع البلهارسيا ليغسل أدرانه، ينزل الجميع إلى النهر فقراء وأحصنة للاحتفال، استمرار الحياة فى مجراه.