الأنيميا أنواع، والوطن مثخن بشتى أنواع الأنيميا، لكن أخطر أنواع الأنيميا من وجهة نظرى، هى أنيميا التواصل!، هى أكثر خطورة من أنيميا نقص الحديد، فقر التواصل أصعب من فقر الدم، الأسرة تتجمّع أمام التليفزيون جثثاً متجاورة، لا أرواحاً متناغمة متفاعلة، الأصدقاء يتبادلون الشيشة لا العيشة، صرنا نفتقد السؤال الحميم، والنظرة الحاضنة، والحضن الدافئ، والكلمة اللى بتطبطب، والنسمة اللى بترطب، صرنا لا نستمع، بل نسمع، أصبحنا لا نتأمل أحوالنا، بل نتململ منها، بتنا لا نتحاور، بل نتجاور، أنيميا التواصل سرطان خبيث يُهدّد الوطن الذى يتحول رويداً رويداً إلى جزر منعزلة فى محيط صمت رهيب قطعت كل أسلاك الحوار بين أفراده، فصاروا مرضى بالخرس المزمن، رغم أنهم أكثر شعوب الأرض ثرثرة!. إذا أصبت بأنيميا التواصل بشكل حاد، هل تذهب إلى طبيب أمراض الدم، أم إلى طبيب النفس؟، هل من الممكن أن نستمع قريباً إلى شخص يقول لصديقه «أنا فى حاجة إلى صيانة نفسية»!!، أو زوجة تخبر زوجها قائلة «عن إذنك أنا رايحة للدكتور.. محتاجة عمرة نفسية!!»، لماذا الاندهاش والتعجب؟!، إذا كنت تقوم بصيانة سيارتك كل عشرة آلاف كيلو، فلماذا لا تقوم بصيانة نفسك وروحك ومعنوياتك ومشاعرك وعواطفك كل سنتين؟!، ألا نحتاج كل فترة للفضفضة وإلقاء كل حمولة العُقد والكلاكيع الزائدة من على سطح سفينة النفس، ألسنا فى أشد الحاجة لتنظيف قاع بحر الضمير من كل طحالب الكبت والغيرة والكراهية؟؟، من الممكن أن يكون صديقك هو طبيبك النفسى، لكن طبيبك سيتفوق بسبب أنه لن يكون مجرد أذن مستمعة، لكنه سيكون أيضاً صاحب طوق نجاة وبوصلة طريق ودفة اتجاه، لن يقدم لك العصا السحرية، لكنه سيُعلمك كيفية التحكم فى عجلة القيادة وإيقاع الضغط على الفرامل، سيزيل شوائب تراكمات السنين، ويبدل الزيت الراكد فى قنوات التواصل الإنسانى، ويطمئن على اندفاع بخار الغضب المكتوم. صيانة النفس وعمرة الضمير مهمة، لكن دون طلاء يزيف جوهرك الحقيقى، وكتالوجك الإنسانى، حتى لا تصبح فى سوق البشر مسخاً زاهى الخارج مخرب الداخل!