تم القبض على الإرهابى الخطير هشام عشماوى الذى كان مختبئاً فى مدينة درنة الليبية، العملية هى ضربة قوية وفى مقتل، لتنظيمات الإرهاب التى كانت تستهدف مصر، ولكن السؤال: ماذا عن هشام عشماوى الذى يولد كل يوم ويظهر صباح مساء فى درنة المصرية؟!، إنه للأسف ليس مختبئاً ولكنه موجود يخرج إلى المدرسة صباحاً ويتجول فى الأسواق ظهراً ويجلس على المقاهى ليلاً، وبين هذا وذاك وتلك يقرأ كتب المكتبات السلفية، ويعلم أولاده فى الحضانات العنصرية، ويستمع إلى دروس وعظات وخطب دعاة الفاشية الدينية، درنة المصرية هى أوكار تسطيح العقول ووهبنتها وتزييف الوعى و«فرمتته» ليحمّل عليه وعلى الزيرو «سوفت وير» الإرهاب، فيخرج لنا داعشى جديد أو قاعدى متقاعد أو مناصر لبيت المقدس طازج من فرن الأفكار السوداء التى تتحول من كلمات فى كتب وخطب على سيديهات إلى رصاص وقنابل وأحزمة ناسفة، لا بد من دراسة ظاهرة التحول الفكرى لهذا الـ«هشام عشماوى»، وكيف تم، وما هى الثغرات التى تم التسلل منها ليتحول من ضابط مدرب على أعلى مستوى إلى أخطر إرهابى شهدته مصر، كيف صار بكل هذا التزمت والانغلاق والغل والحقد والتشفى والسواد؟!، ليس التمويل فقط كما يردد معظمنا ولكنه الفكر الذى استطاع تنويمه مغناطيسياً وزرع الفكرة الشريرة والاعتقاد الشيطانى بأن الجميع كفرة وأنه هو وجماعته الناجون من النار، تابعت وتابع معى الكثيرون الحملة الصحفية القوية والمفصلة والمليئة بالأدلة والوثائق، تلك السلسلة التى نشرتها جريدة «الفجر» عن حضانات السلفيين التى تعلم الأطفال الكراهية وثقافة القتل والإرهاب، وعن كتب التراث التى تملأ مكتبات القرى المصرية والتى فى كل زاوية وحارة، تبيع البخور وإلى جانبه كتب التكفير وشرائط الكراهية، كراهية المختلف عنك فى الدين والجنس والمذهب، وتابعت استجواب أو تساؤل النائب محمود بدر حول ما نُشر فى تلك التحقيقات داخل مجلس النواب، ولكن ماذا فعلنا وما رد الفعل؟، أسمع ضجيجاً ولا أرى طحناً، أندهش من اندهاش المسئولين، وأتعجب من التعجب الحكومى، كما دكت الطائرات المصرية حصون الإرهابيين فى درنة الليبية بعد مذبحة الأقباط، مطلوب من الدولة المصرية مجتمعة بكل أجهزتها أن تدك حصون هذا الإرهاب الفكرى، وقلاع تلك الفاشية الجهادية التى تتاجر بالدين وتسترزق من سبوبته، وكما نسقت الأجهزة الأمنية مع الجيش الليبى عملية القبض على هشام عشماوى، لا بد أن تنسق الأجهزة الحكومية والثقافية والتعليمية مع المواطنين ومع الإعلام لمنع ولادة وظهور «هشامات عشماوية» جديدة، مشتل الصبار ما زال يمنحنا ثماره المرة، وما زلنا نرش ذباب الإرهاب بالبيروسول فى غرفنا الضيقة، والمستنقع يقبع خلف نافذة البيت، يفقس بيضه يرقات التطرف وحشرات الإرهاب، الثعابين فى الجحور ما أن ينتهى البيات الشتوى حتى يخرجها دفء القطيع الذى «بطط» أمخاخه ومسحها بلدوزر التلقين والحفظ والترديد والقمع الفكرى، تنفث سمها وتعض المارة خاصة فى ظل إحجام التنويريين وخوفهم من مقصلة الازدراء، مما يجعلهم بنصف حنجرة وربع قلم ولسان مربوط ومغلق للتحسينات!، كل درنة مصرية مطلوب دكها بطائرات الاستنارة الفكرية، ورادارات الانفتاح الحر على العالم والتقاط منهجه العلمى النقدى المتشكك الذى يعرض كل فكرة على طاولة تشريح العقل والمساءلة والحوار الذى بلا سقف، الأوكار كثيرة والمهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة وتستحق المغامرة، لأن مصر تستحق أن تستعيد شعلة التنوير والريادة.