التطور صار حقيقة مثل الجاذبية، و«داروين» صار أيقونة علم البيولوجى، يقابلك تمثاله محيياً عند عبورك باب متحف العلوم بلندن، بعدما استقر الرأى على أنه الرائد والنموذج العلمى الذى يستحق ذلك التكريم والذى يجب أن يُحتذى والذى، بإمكانيات عصره البسيطة، اكتشف نظريته التى ما زال العلم حتى هذه اللحظة يثبت صحتها، فضلاً عن الاستفادة منها فى إنجازات جديدة. ولأنها تحتاج خيالاً مبدعاً لفهمها وجسارة عقلية لتقبلها فهى تواجَه، حتى هذه اللحظة، بهجوم يقوم على ترويج خرافات تتهافت مع أول نقاش، لذلك كانت سعادتى غامرة بكتاب الباحث العراقى سامر حميد «أشهر ١٠ خرافات عن التطور»، وهو كتاب مترجم لـ«كاميرون سميث وتشارلز سوليفان». فنّد الكتاب أشهر عشر خرافات منتشرة عن التطور، وبأسلوب سهل وسلس ومنطقى ومفحم. الخرافة الأولى «البقاء للأقوى»، وضّح الكتاب أن البقاء للأكثر لياقة، الفرد الملائم لبيئته الانتقائية. الخرافة الثانية أنها «مجرد نظرية»، فرّق الكتاب بين النظرية فى الخطاب العامى وهى مجرد الحدس والتخمين، وبين النظرية فى العلم التى هى التفسير المدعوم جيداً لمجموعة كبيرة ومتنوعة من الحقائق عن العالم الطبيعى، وهذا فرق يرد على المستخفين بكلمة النظرية العلمية. الخرافة الثالثة هى «سلم الارتقائية»؛ أكد الكتاب أن التطور لا غائية فيه وليس ارتقاء نحو الأعلى، وأن التعقيد ليس ميزة نافعة على الدوام للبقاء، فالبكتيريا غير المعقدة تتكيف مع بيئتها. الخرافة الرابعة «الحلقة المفقودة»، فالبراكين والعوامل الطبيعية جعلت طبقات الأرض مثل الكتاب الذى تعرّض للرطوبة، به صفحات مفقودة، لكن يمكن قراءته. الخرافة الخامسة «التطور عشوائى»، وصحتها أنه انتقاء غير عشوائى لمجموعة اختلافات عشوائية، الخرافة السادسة، وهى الأشهر، والتى يلوكها دوماً المهاجمون الذين لم يقرأوا حرفاً عن التطور من كتب العلم الحقيقى وليس من كتب زغلول النجار، «البشر أتوا من القرود»!! «داروين» لم يقل هذا الكلام الفارغ، إنما ملخص ما وصل إليه هو أننا نتقاسم سلفاً مشتركاً مع الشمبانزيات، ونحن لم نأتِ منهم، الخرافة السابعة هى «توازن الطبيعة المثالى»، هذه الخرافة وغيرها ناتجة من قصور خيالنا عن تصور أن الحياة بدأت منذ ٣ مليارات عام، وتدوين التاريخ منذ بضعة آلاف عام فقط. الخرافة الثامنة عن «الصراع بين الخلقيين والتطور»، رغم أن داروين لم يتكلم عن نظريات الخلق وكيفيته، ولم يكن هذا هو شاغله فى معمله. وعندما يقول الخلقيون إن الحفريات هى بقايا المخلوقات الميتة من جرّاء حدوث فيضان نوح فإنهم يواجَهون بسؤال بسيط لا يستطيعون الرد عليه، وهو لماذا الحفريات الثديية هى دائماً الأعلى وعلى السطح فى أى منطقة فى العالم؟! ويستمر الكتاب فى مناقشة: هل مدرسة التصميم الذكى، والتى لها أنصار سياسيون ورجال مال من بروتستانت أمريكا، هى نظرية علمية. والخرافة الأخيرة التى يفندها هذا الكتاب المهم هى لا «أخلاقية التطور». التطور صار حقيقة علمية إلا فى مدارسنا التى يقال عنها إنها قد تطورت، والتى شطبت التطور من المنهج!.