فى ذكرى د. طه حسين دارت نقاشات حادة على السوشيال ميديا حول أيهما أفضل، طه حسين أم عباس محمود العقاد؟، تحولت رويداً رويداً إلى ألتراس أهلى وزمالك، لكنها وبرغم الخلافات إلا أننى سعدت بها وقلت الحمد لله، على الأقل وجدنا نقاشاً ثقافياً ومقارنة جادة أفضل من المقارنات التى نعقدها بين مطربى المهرجانات، وباختصار وفى البداية أعلن رأيى بأننى منحاز فى هذه المقارنة وبشدة إلى جانب وفى صف طه حسين، وبناء على شروط موضوعية لا على عواطف كروية!، «طه والعقاد» قامتان ثقافيتان كبيرتان، إلا أننى أجد أن إسهام طه حسين إسهاماً أكثر جذرية وعمقاً فى الثقافة المصرية، وأن الموسوعية التى اعتمد عليها محبو «العقاد» فى انتخابه الأفضل هى نقطة الخلاف بالنسبة لى، وقد لخصها لى أستاذ الفلسفة القدير د. فؤاد زكريا عندما حكى لى بأسلوبه الجميل ولغته النقدية عن سبب ابتعاده عن صالون العقاد، قال إنه قد حضر مرة واحدة ثم رفض بعدها الانتظام فى الحضور برغم أن مدرس فلسفة آخر كان يحضر بانتظام ويعتبر هذا الصالون بمثابة الرواق الثقافى والأكاديمية الأفلاطونية، هذا الشاب كان أنيس منصور، لماذا رفض د. فؤاد زكريا إعادة التجربة؟، لأنه ببساطة وجد العقاد يتحدث فى علم الحشرات!، وقال لجاره هامساً «ما أنا أروح أفضل أسمع من أستاذ فى كلية العلوم، أكيد حيكون أفضل من العقاد»، وهذا يفتح باب نقاش كبير حول دور المثقف الفكرى وليس السياسى، لأن التغيير الفكرى أرحب من التغيير السياسى، بل له الأولوية، هل التراكم المعرفى وتخزين أكبر كم من المعلومات فى كل العلوم والفنون هو المطلوب فقط من المثقف؟، أعتقد أن المسألة أكبر من ذلك وأشمل، فالمثقف ليس مطلوباً منه أن يكسب برنامج «مَن سيربح المليون»، أو يحل مسابقة الكلمات المتقاطعة فى خمس دقائق، لكن المطلوب أن يكسب فى برنامج «من يربح التغيير» ويحل أعقد الأفكار المتقاطعة، مطلوب منه ثورة فكرية تتمرد على السائد والبديهى والمعتاد، وسأضرب مثالاً بسيطاً ذكره طه حسين فى لقائه الشهير مع الإعلامية ليلى رستم وأمام حشد رائع من خيرة المثقفين المصريين، عبر عن رأيه فى عبقريات العقاد وأحرج أنيس منصور عندما سأله «هل فهمت منها شيئاً؟»، اعتبرها «طه» تمجيداً لا تحليلاً، وانحيازاً تنقصه موضوعية وصرامة البحث العلمى، وضرب مثلاً بالمقارنة بين النبى محمد ونابليون فى عبقرية محمد، وكيف أنها مقارنة لا علمية مع كل الإجلال والاحترام لمكانة النبوة ومكانة القيادة، لاختلاف الظروف والمعايير، ولذلك فالنتائج من المؤكد أنها ستكون مجحفة، وهذا هو الفرق بين العبقريات والفتنة الكبرى، السؤال «لماذا تكتب؟» هو المهم وهو الفيصل، هل تكتب للتمجيد والتأييد وتأكيد الإجابات المسبقة؟ أم تكتب للتحليل والتنقيب والغربلة وطرح الأسئلة وإثارة التفكير النقدى والحس العقلانى؟، وضع طه حسين الصحابة فى الفتنة الكبرى تحت المجهر، وتحدث عن بشر وصراعات إنسانية تتحكم فيها أحياناً الغرائز، لأول مرة على سبيل المثال نقرأ وبصراحة وجدية كيف أثرت ثروات الصحابة فى الصراع السياسى وظهور الفتنة، جرح طه حسين تابوهات كثيرة، وتعامل مع التاريخ وكأنه قارورة معمل لا محراب عبادة أو معبد تقديس، هذا مجرد مثال من ضمن أمثلة كثيرة جعلتنى أنحاز إلى طه حسين برغم احترامى لمكانة العقاد واعترافى بفضله الثقافى، إلا أن طه حسين عندى لا يسكن فى الأدوار العليا من نفس العمارة الثقافية، لكنه يسكن قصراً وحده.