رحلت الإعلامية الكبيرة نادية صالح التى كانت من أوائل من عملت معهم فى إعداد البرامج الإذاعية بعد تخرجى فى كلية الطب، جذبتنى نداهة الإذاعة فعاصرت نجوم هذا الزمن الإذاعى الرائع، كانت معظم البرامج التى شاركت فيها على موجة البرنامج العام فى زمن رئاسة أبلة فضيلة وفاروق شوشة، كنت أنا والكاتبة منى حلمى نكتب لها البرنامج الصباحى اليومى، كانت مثقفة تتذوق اللغة العربية وتميز ما بين الردىء والجيد فى الكتابة، كان من حسن حظى أن حضرت معها تسجيلات العمالقة سواء فى برنامجها البصمة «زيارة لمكتبة فلان»، أو فى برامجها الرمضانية السريعة الشهيرة، شاهدت وسمعت معها نجيب محفوظ وعبدالوهاب ونزار وزكى نجيب محمود وأنيس منصور وصلاح جاهين، وكل عباقرة ورموز مصر، كان «زيارة لمكتبة فلان» مؤسسة ثقافية مستقلة، وكان صوت نادية صالح الساحر الناعم الجميل تحس بأنه يطبطب على روحك من فرط رقته، علمتنى نادية صالح احترام الاستوديو برغم أن المستمع لا يراك، كانت تأتى فى قمة الشياكة والأناقة، من الكوافير إلى الإذاعة حيث تسريحة الشعر كالتاج على رأسها المشتعل بالأفكار، لا تسمح بالأكل داخل الاستوديو، فهذا المكان هو قدس الأقداس عندها، كانت تسجل وكأنها أمام كاميرا، تبتسم ملامحها فى رقى وشياكة وتنفعل مع الضيف وكأن العالم يفتح عدسات عيونه عليهما، تخيل البعض عند انتقالها لرئاسة إذاعة الشرق الأوسط أنها لن تتلاءم مع إيقاعها السريع وستنقل عدوى الجدية إلى الشرق الأوسط وتنزع منه خفة دمه، لكن ما حدث كان العكس تماماً، فقد كانت تعرف أن شفرة نجاح الشرق الأوسط هى البساطة وإيقاع زمن الساندوتش والإنترنت، كانت تعشق عملها الإذاعى بجنون، وفى رمضان حيث كان الوقت الذهبى هو أثناء الإفطار بعيداً عن منافسة التليفزيون، تكون فى منتهى التوتر وهى تنتظر وضع توقيت برنامجها، وكانت تحس بالظلم أحياناً حين يضعونه متأخراً قليلاً فينجذب المستمع إلى الفوازير التليفزيونية والمسلسلات الرمضانية ويترك برنامجها، لكنها كانت بالرغم من ذلك تجتهد لدرجة الإعياء وتقول لى حتى لو سمعه مستمع واحد لازم أقدم له أقصى ما أستطيع، نادية صالح بنت الزمن الذهبى تعلمت على أيدى بابا شارو وصفية المهندس وآمال فهمى وطاهر أبوزيد وهالة الحديدى وفهمى عمر وفاروق شوشة وصبرى سلامة وكل عمالقة الإذاعة العظام الذين صنعوا مجدها، وكانت تتمتع بخفة دم وسرعة بديهة تجعلها مغناطيس أى جلسة ومحور أى تجمع، رحلت الجميلة الرقيقة المثقفة الذكية صاحبة الأيادى البيضاء على الكثيرين، شجرة المواهب الإذاعية الفذة تسقط أوراقها رويداً رويداً، ندعو الله أن يحمينا من خريف الصمت الإذاعى بربيع جديد من المواهب على نفس موهبة نادية صالح.