مانشيتات وبوستات وتويتات هستيرية قبل وأثناء المونديال كشفت عن خلل شديد فى وعينا الجمعى لا بد له من علاج سريع وحاسم، اللاعب دورجبا أعلن إسلامه! الشيخ محمود المصرى يزف البشرى بأن ميسى قد نطق الشهادتين! مورجان فريمان اعتنق الإسلام! الداعية المسلم الهندى الشهير أدخل ٥٥٨ شخصاً فى الإسلام فى ثلاثة أيام! الداعية المصرى الصغير ابن الداعية المصرى الكبير جعل عشرة من المارة يدخلون الإسلام خلال نصف ساعة!! أسرة برازيلية تسمع الأذان فى قطر فتقرر اعتناق الإسلام.. فيضان من الأخبار كلها تحتفى بالعدد والكم الذى دخل الدين، وتصور الأمر على أنه سباق دينى لا كروى، وتنافس عقائدى لا رياضى، وهذا إن دل على شىء فإنه يدل على إحساس عميق عندنا بالدونية وبالهشاشة الفكرية، وبأن الإسلام يحتاج إلى زبائن، هذا الجرح الحضارى يجعل حالنا مثل حال بائعى الموسكى الجائلين الذين يقفون أمام بضاعتهم ينادون بأعلى أصواتهم «قرّب قرّب.. باتنين ونص وتعالى بص»، وذلك لجلب المزيد من الزبائن!يا سادة، ديننا - وأى دين بالمناسبة - لا يحتاج إلى زبائن جدد، لا يحتاج لتسويق بكثرة العدد، بل لا يحتاج لتسويق أصلاً، كثرة العدد لا تصنع مستقبلاً ولا علماً ولا حضارة ولا حداثة، بل أحياناً وعلى العكس تصنع فى ظروفنا الاقتصادية الصعبة ضغطاً وشللاً وكساحاً، تصبح مثل قتب الظهر، عبئاً على الكاهل تمنعه من الحركة، نحن محتاجون لأن نثبت أنفسنا من خلال المشاركة فى الحضارة والعلم وصناعة التكنولوجيا وليس بتجييش الملايين من الأتباع الذين نفاخر بأنهم دخلوا الدين فى نصف ساعة وهى مدة أقل من مدة اختيارك لقميص أو بنطلون مناسب على ذوقك، فما بالك بشخص ندّعى أنه فى ذلك الوقت القليل غيّر وبدّل وتخلى عن كل معتقداته التى تربى عليها وبمنتهى الاقتناع!والسؤال: هل إسرائيل اكتسبت قوتها من زيادة عددها؟ وهل سيطرة اليهود على مقدّرات الاقتصاد والآلة الإعلامية الضخمة كانت عن طريق التكاثر المليونى الأرنبى، وانضمام الملايين إليهم أفواجاً؟ بالعكس ما صنع قوتهم هو تحويل تلك القلة إلى ميزة وقدرة، لا تجعلوا العالم يضحك علينا ونحن نلهث فى هذا الماراثون الوهمى، ماراثون الاحتفاء وإقامة الأفراح والليالى الملاح بانضمام متسابقين وعدائين آخرين إلى فريقنا الدينى ومنتخبنا العقائدى.يا جماعة، بعض الثقة فى أنفسنا، وبعض المرونة فى تغيير أفكارنا وجعلها متسقة مع الزمن ومتوائمة مع المستقبل ومتماشية مع حركة التاريخ، وإلا سنتحنط فكرياً وستقف عقارب الزمن عندنا، ونتقهقر كأمة تريد الخروج من شرنقة التخلف فتجد نفسها وقد تشرنقت أكثر، لا بد أن نقرأ حركة التاريخ حتى لا نخرج من التاريخ.