اليوم عيد ميلاد عميد الأدب العربى ورائد التنوير ومن زرع فى عقولنا الأسئلة وحرّك المياه الراكدة واشتبك مع العقول الصلبة المتكلسة فى معارك دامية سواء فى معركة كتاب «فى الشعر الجاهلى»، أو فى معركة مجانية التعليم عندما كان وزيراً للمعارف، وفى هذه المناسبة أنتهز الفرصة لأدعو القراء إلى قراءة عدد الشهر الماضى من مجلة «الثقافة الجديدة»، تلك المجلة التى تحفر كتيبتها فى الصخر، بداية من رئيس تحريرها حتى أصغر الكتّاب سناً فيها، يصدرونها فى ظروف صعبة بل خانقة، لكنها تقاوم وأثبتت نفسها بصدور عدد طه حسين الرائع الذى نفد وطبع طبعة ثانية وأتمنى طبعة ثالثة فى معرض الكتاب القادم ككتاب مستقل.العدد احتوى على دراسات ومقالات غاية فى التميز، منها أيقونة التمرد بقلم د. نجاة على، الذى تحدثت فيه عن مواقفه الصارمة وانحيازاته العلمية التى تعلمت منها كثيراً، واستيعابه لمفاهيم النقد الأوروبى الحديث، ومقال الكاتب نبيل فرج عن علاقة طه حسين بثورة 52 رغم اختلافه عن الجيل الذى تشكل وعيه فى تلك الحقبة، ومن أهم دراسات هذا العدد التاريخى دراسة الكاتب والناقد طارق الطاهر عن تفاصيل جديدة فى معركة قديمة.ويقصد بالطبع معركة «فى الشعر الجاهلى»، الدراسة بها إضاءات مهمة كانت مجهولة بالنسبة للكثيرين حتى من محبى العميد، فقد أوضح «الطاهر» أن المعركة لم تنته بتقرير النائب العام، وأشار إلى التقرير الذى وضعه مجلس إدارة مدرسة دار العلوم 1926، إثر تلقيهم طلباً من د. طه حسين لتدريس «فى الشعر الجاهلى» على طلبة المدرسة، وانتهى التقرير الذى أُرسل لوزير المعارف آنذاك إلى رفض تدريس الكتاب ووصفه بأنه «لا يرمى إلى غاية سوى الهدم والتشكيك».كما تكشف هذه الأوراق أيضاً أن بعض أعضاء مجلس النواب انتهزوا فرصة عرض ميزانية الجامعة فى 13 ديسمبر 1926 ليعاد من جديد فتح المناقشة حول هذا الكتاب، من منطلق الحفاظ على أموال الجامعة، إذ جاءت أحد الاقتراحات بعدم تمويل الوظيفة التى يشغلها طه حسين، فضلاً عن مصادرة الكتاب، ومحاكمة مؤلفه.وقدم د. وليد الخشاب قراءة لسينما طه حسين بين الميلودراما والواقعية، وهى دراسة تستحق الاهتمام، وكتب د. محمود الضبع عن ثقافة الاختزال عند طه حسين، وقدم الكاتب محمد خلف قراءة لكتاب «الفتنة الكبرى» من زاوية جديدة ومختلفة وطازجة، هناك دراسات ومقالات أخرى لا تتسع المساحة للكتابة عنها، لكن ما أستطيع تأكيده هو أن هذا العدد لا غنى عنه فى أى مكتبة.