المسلسل الذى لا يجذبك بمغناطيسه ويمسك بتلابييك ويحبسك على كرسيك، هو مسلسل لا بد أن تُعاد كتابته وصياغته مرة أخرى. السر فى كلمة هى عمود خيمة الفن وبوصلته وشفرة سحره، إنها كلمة الإيقاع، ومسلسل «بدون سابق إنذار» حقق هذه البداية المغناطيسية القوية، وأيضاً حافظ على الإيقاع اللاهث، ابتعد عن المشاهد المطاطة الممطوطة، ودخل فى الهدف مباشرة، جعل المشاهد يحبس أنفاسه، يُدين البطل الذى يعامل زوجته بجفاء ومنشغل عنها، ثم يُدين البطلة التى يتهمها بالخيانة، ثم يُبرئ البطلة. ويقع المشاهد فى حيرة وتثير فضوله الأسئلة تلو الأسئلة، هذا الطفل الجميل الذى خطف قلوبنا منذ أول مشهد، هذا الطفل ابن من؟؟! وهل هو مدان؟ وهل البنوة رحم؟ وهل سيضحى البطل والبطلة بذلك الحبل السرى من الحب والارتباط والانجذاب لهذا الطفل نتيجة أنه لم يتكون بيولوجياً من الأب والأم؟ وإلى أين ستنتهى رحلة البحث عن الطفل الحقيقى؟ وهل سيترك الأب والأم طفلاً مريضاً بسرطان الدم، هل سيتخليان عنه فى هذه اللحظات الحرجة ويصبان جامّ غضبهما عليه ويُخرجان غضبهما وخلافاتهما على مستقبله؟!أسئلة كثيرة يطرحها المسلسل بقوة وجاذبية وإيقاع سريع.الإيقاع، كما ذكرنا، هو ترمومتر نجاح الفن، ولأن الحياة إيقاع، ولأن الفن مرآة الحياة، وهناك فى الحياة إيقاع كونى من ليل ونهار، شهيق وزفير، شروق وغروب... إلخ، وهى كلها فى النهاية إيقاعات، لذلك فالفن الجيد هو الذى يقتبس تلك الإيقاعات الكونية. المخرج هانى خليفة منذ فيلم سهر الليالى وهو يثبت يوماً بعد يوم وعملاً بعد عمل أنه مخرج صاحب رؤية، ويكره الملل ومط المشاهد، وماهر جداً فى تحريك الممثل، يعود بهذا العمل بعد ستة أعوام من الغياب بعد «ليالى أوجينى» ليحتل مكاناً متقدماً فى ماراثون الدراما الرمضانية. أما الاكتشاف المهم لهذا العام فهو الكاتبة سمر طاهر التى أتوقع لها مكاناً مهماً بين كُتاب الدراما المهمين فى مصر، فهى تفهم جيداً وهى تكتب كيف ستترجم المشاهد التى تكتبها، وهذا التصور السابق للمشاهد قبل إخراجها ونقلها للشاشة هو موهبة قبل أن يكون حرفة.آسر ياسين يثبت فى كل أعماله أهمية الفنان المثقف الذى يختار أعماله بعناية فائقة ويخلص فى أدائه ويتطور يوماً بعد يوم، وعائشة أحمد تؤدى دوراً لا يعتمد على جمال ملامحها، ولكنه يعتمد على صراعات داخلية لأم فوجئت بكارثة بدون سابق إنذار، ابنها ليس ابنها، زوجها يتهمها بالخيانة، وهى فى الأساس شخصية عملية تريد بناء مستقبلها المهنى الذى تأخر كثيراً. المسلسل حلقة جديدة فى سلسلة الدراما التى حققت هذا العام طفرة وجاذبية ونجاحاً أثبت للجميع أن ختم مصر على الدراما هو ختم الجودة.