فى كتابه «النذير» رسم فرج فودة خارطة طريق للخلاص من الفكر المتطرف، برغم أن الكتاب غير معروف وليس من أشهر كتبه، إلا أننى أراه من أهمها، لأن فيه الخلاصة، كتبه وكأنه كان يقرأ الغيب، ويعرف النبوءة كأنها صرخة البجعة الأخيرة، هناك جزء مهم فى الكتاب يقارن فيه بين التطرف الإيرانى الخومينى والمصرى القطبى، ويحذر فيه من ارتفاع موجة الإعجاب بالثورة الإيرانية، التى ظل يحذر من امتداد تأثيرها إلى مصر، ولكن أحداً لم يهتم، يقول «فودة» فى كتابه «النذير»:إن أهم الدروس المستفادة من تجربة الثورة الإيرانية ‏أن الجيش الإيرانى، وهو أقوى الجيوش التى عرفها تاريخ المنطقة وأرقاها تسليحاً وأكثرها ولاء للحاكم وأبعدها ارتباطاً بالظاهرة الدينية وأكثرها ارتباطاً بالقيم والدول المتحضرة، عجز تماماً عن الحركة فى مواجهة شارع أعزل غير مسلح حين تعدى نمو التيار حداً معيناً أصبحت بعده تكلفة الاستخدام مع إمكاناته وقدراته أكبر بكثير من نتائجه.‏إن التيار السياسى الدينى فى إيران والتيار السياسى الدينى فى مصر يمثلان وجهاً واحداً هو النازية الدينية، حيث تخطط نزعات الاستعلاء والعنصرية ورفض الديمقراطية واستخدام العنف والعودة للجذور، والغريب أن كليهما فى إيران وفى مصر ينفذ أسلوبين معتمدين فى النازية لمواجهة النظم الديمقراطية، الأول منهما يتمثل فى المواجهة المباشرة للمؤسسات وهو الأسلوب الذى فشل فى ألمانيا وفى مصر ونجح فى إيران، والثانى هو ما حدث فى مصر، اعتماد الإسلاميين التجربة النازية للوصول للحكم بعد فشل المواجهة، ويتمثل فى التسلل إلى المؤسسات القائمة واستخدام الديمقراطية لإسقاطها فى النهاية، واستخدام المؤسسات الشرعية فى السيطرة على النظام والتحالف مع القوى السياسية والاقتصادية القائمة، واستغلال ضعف هيبة النظام واستثمار المعاناة من الأزمة الاقتصادية، والجدير بالذكر أن النازية قد وصلت إلى الحكم فى ألمانيا دون أن تحصل على الأغلبية التى تؤهلها لذلك لأن خطوات النظام لإسقاط نفسه كانت أوسع بكثير من خطوات النازية لإسقاطه.‏استفاد التيار الدينى فى مصر من دروس الثورة الإيرانية، حيث تعلَّم منها التركيز على العدو الرئيسى، وهو نظام الحكم، وعدم تشتيت جهده فى معارك جانبية مع اليسار الذى يسهل وقوعه فى خطأ استراتيجى قاتل حين يستهويه عداؤه للنظام، فيتحالف مع التيار الإسلامى، بل وتظهر بعض فصائل اليسار الإسلامى الذى يتصور أنه فى خندق واحد مع التيار الإسلامى ضد النظام الإمبريالى الصهيونى والنظم العميلة، وكلما تضخم حجم التيار. تعالت هذه الأصوات والتنظيرات اليسارية، وامتد النظر إلى مرحلة تقسيم الغنائم بعد سقوط النظام، وهو ما فعله حزب توده الشيوعى وجماعة مجاهدى خلق اليسارية، وهو نفس ما فعلته بعض القيادات اليسارية المصرية، والمراقب لتطور تصريحات قادة التيار فى مصر يلاحظ وعيهم بهذا الدرس، حيث تخلو كتاباتهم من الهجوم على اليسار أو الشيوعيين، ويصل الأمر إلى إعلان عمر التلمسانى لقبوله بوجود حزب شيوعى فى إطار الحزبية، وقد لوحظ أيضاً أن حزباً يسارياً فى الانتخابات الأولى قد رد التحية بأحسن منها بوضع المطالبة بتطبيق الشريعة على رأس مطالبه، لكنه من الواضح أن هذا الاتجاه قد تراجع ربما لنشاط بعض المفكرين المصريين أو لاستيعاب اليسار لما حدث لحزب توده ومجاهدى خلق بعد الثورة الإيرانية.إنه نذير فرج فودة، زرقاء اليمامة الذى اغتالته رصاصات الضباع الغادرة.