عرض المقال
أمل دنقل وحوار عن المرض والموت
2024-07-23 الثلاثاءالشاعر أمل دنقل من الشعراء القلائل، وأكاد أقول الوحيد، فى تاريخ الشعر المصرى، الذى وثق تجربة مرضه فى ديوان، وهو «أوراق الغرفة رقم ٨»، وقد أجرت معه مجلة «اليمامة» السعودية حواراً جميلاً عن تلك التجربة، أحببت أن تشاركونى بعض اقتباساته، فى هذا الحوار مع مجلة «اليمامة» السعودية أثناء مرضه بالسرطان، قال عن تجربة المرض:- إن أقل الأشياء هنا أصبحت تثير مشاعرى، مثل باقات الورد التى كان يحملها لى الأصدقاء، النظرة فى عينى الإنسان كانت تأخذ فى مشاعرى تفسيرات عديدة، الابتسامة أيضاً، كلمة التشجيع، إن الكلمات والأشياء تأخذ أبعاداً كثيرة وجديدة أيضاً فى فترة المرض نتيجة لحساسية المريض تجاه العالم والأشياء.لذلك أعتقد أن الأشياء التى كتبتها فى هذه الغرفة كانت لصيقة أشد الالتصاق بوجدانى، لم يكن هناك مجال لما يمكن أن يسمى فى النقد الأدبى بالمعادل الموضوعى، يعنى أن أحس بالأشياء من خارجها ثم أستبطنها من الداخل، لا، كان هناك استبطان داخلى ثم البحث عن ثوب لهذه الأشياء تجسيداً لها.ورداً على سؤال ماذا أضاف المرض إليك؟أجاب أمل دنقل:طبعاً قبل المرض لم يكن الإنسان يحسب حساباً لأى شىء سواء كان يظهر أو يتحرك أو يتشاجر، دائماً كانت هناك خصومة بينى وبين الأشياء، المرض يعطى الإنسان نوعاً من التصالح وهدنة مع العالم والحياة، ولذلك فإن درجة الخصومة قد لا تصبح أقل ولكنها تصبح أكثر نعومة وأكثر خفة، المرض يقف فى مواجهة المجهول والمطلق الذى هو الموت والذى يأتى فى أى لحظة، وبالتالى فإن كثيراً من الصغائر التى كان يتوقف عندها الإنسان قبل المرض تصبح بعد المرض لا شىء ويستطيع الإنسان أن يتجاوز دون أن يهتم بها.ورداً على سؤال هل كنت تخاف الموت؟يجيب أمل دنقل:- أنا لا أخاف من الموت على الإطلاق، ولكن ما هو نوع الموت؟ ليس الموت هو مفارقة الروح للجسد، هناك الموت غدراً مثل الجندى الذى ترسل به إلى الميدان دون أن تتخذ الاحتياطات لكى ينتصر، هناك الموت سأماً ومللاً مثل الحياة التى يعيشها الكثيرون فى المدن الصفيحية والميكانيكية الفارغة، هناك الموت تحسراً مثل الموت الذى نمارسه يومياً عندما نستمع إلى أنباء الحرب.لكن الموت بمعنى مفارقة الروح للجسد هذا شىء لا يخفينى، بل أفكر فيه، وجزء كبير من مقاومتى للمرض هو الموت، إذا كان قادماً فليأت، ولكن على الإنسان أن يفعل ما يأمر به العلم فى مثل هذه الحالة والباقى على الله، يا أصدقائى المرض حقق لى أمنية وهى التواصل مع الجزء الإنسانى فى الآخرين، إننى قبل المرض كنت أتعامل مع الأصدقاء والأشياء باعتبارهم مواقف ومبادئ وأفكاراً فحسب، يعنى مواقف سياسية أو فكرية أو اجتماعية، ولم أكن أضع حسباناً الجانب الإنسانى فيهم، المرض جعلنى أتواصل مع الجانب الإنسانى فى الآخرين.ورداً على سؤال ماذا تغير فيك بعد المرض؟يجيب أمل: لا بد أن يكون المرض قد غير فىّ حتى الآن، أنا لم أحس بهذا التغير، لكن لا بد أن تكون تجربة المرض قد غيرت، وإلا لا يمكن أن أدخل فى تجربة المرض كحجر من الصوان ثم أخرج منها بنفس الملاسة.السؤال الأخير كان إذا كان أمل لا يخاف من الموت فممَ يخاف؟يقول أمل: العجز أكثر رهبة من الموت، أن يكون الإنسان حياً ولا يستطيع أن يفعل ما يريد لأن الحياة هى الفعل والحركة.